صفحة جزء
والبدع مشتقة من الكفر، فمن عارض الكتاب والسنة بآراء الرجال كان قوله مشتقا من أقوال هؤلاء الضلال، كما قال مالك: أوكلما جاءنا رجل أجدل من رجل تركنا ما جاء به جبريل إلى محمد صلى الله عليه وسلم لجدل هذا؟

فإن قيل: هذا الوجه غايته أنه لا تصح معارضة الشرع بالعقل، ولكن إذا طعن في العقل لم يبق لنا دليل على صحة الشرع.

قيل: المقصود في هذا المقام أنه يمتنع تقديم العقل على الشرع، وهو المطلوب.

وأما ثبوت الشرع في نفسه وعلمنا به، فليس هذا مقام إثباته، ونحن لم ندع أن أدلة العقل باطلة، ولا أن ما به يعلم صحة السمع باطل، ولكن ذكرنا أنه يمتنع معارضة الشرع بالعقل وتقديمه عليه، وأن من قال ذلك تناقض قوله، ولزمه أن لا يكون العقل دليلا صحيحا، إذ كان عنده العقل يستلزم صحة ما هو باطل في نفسه، فلا بد أن يضطره الأمر إلى أن يقول: ما عارضه الدليل العقلي فليس هو عندي دليلا في نفس الأمر، بل هو باطل، فيقال له: وهكذا ما عارضه الدليل السمعي فليس هو دليلا في نفس الأمر، بل هو باطل، وحينئذ فيرجع الأمر إلى أن ينظر في دلالة الدليل، سواء كان سمعيا أو عقليا، فإن كان دليلا قطعيا لم يجز أن يعارضه شيء، وهذا هو الحق.

وأيضا، فقد ذكرنا أن مسمى الدليل العقلي ـ عند من يطلق هذا اللفظ ـ جنس تحته أنواع، فمنها ما هو حق ومنها ما هو باطل باتفاق العقلاء، فإن الناس متفقون على أن كثيرا من الناس يدخلون في مسمى هذا الاسم ما هو حق وباطل. [ ص: 192 ]

وإذا كان كذلك فالأدلة العقلية الدالة على صدق الرسول إذا عارضها ما يقال إنه دليل عقلي يناقض خبره المعين، ويناقض ما دل على صدقه مطلقا، لزم أن يكون أحد نوعي ما يسمى دليلا عقليا باطلا: وتمام هذا بأن يقال:

التالي السابق


الخدمات العلمية