صفحة جزء
وأكثر العقلاء على جواز وجود ما لا يتناهى في الجملة، ولكن منهم [ ص: 241 ] من يجوز ذلك في الماضي كما يجوزه في المستقبل ومنهم من يجوزه في المستقبل دون الماضي. والأدلة الدالة على امتناع ذلك قد عرف ضعفها.

ويقول له: وقد علمت بالاضطرار أن تصديق السلف للرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن مبنيا عليها، فلا يكون العلم بصدق الرسول موقوفا عليها، ولا علمي أيضا بصدق الرسول موقوفا عليها، ولا معرفتي للصانع تعالى موقوفة عليها.

وليست هذه الطرق وأمثالها هي الطرق العقلية التي دل القرآن عليها وأرشد إليها فإن تلك الطرق صحيحة عقلية، لا يمكن عاقلا أن ينازع فيها، فإن حدوث المحدثات مشهود معلوم الحس، وافتقار المحدث إلى محدث معلوم بضرورة العقل، بل العقل الصريح يعلم افتقار كل ما يعلم حدوثه إلى محدث، كما يعلم افتقار جنس المحدثات إلى محدث، فتعلم الأعيان الجزئية الموجودة في الخارج، كما تعلم القضية الكلية الشاملة لها، إلى سائر ما في هذا الباب من الآيات الدالة على معرفة الصانع سبحانه، كما قد بسط في موضعه. [ ص: 242 ]

وإذا كان كذلك تبين أن العلم بصدق الرسول صلى الله عليه وسلم ليس موقوفا على شيء من المقدمات المناقضة لإثبات الصفات الخبرية والرؤية والعلو على العرش ونحو ذلك مما دل عليه السمع، وهو المطلوب.

فصل

ومما يوضح ذلك أن هذه الطرق المبتدعة في الإسلام في إثبات الصانع، التي أحدثها المعتزلة والجهمية، وتبعهم عليها من وافقهم من الأشعرية، وغيرهم من أصحاب الأئمة الأربعة وغيرهم، قد طعن فيها جمهور العقلاء، فكما طعن فيها السلف والأئمة وأتباعهم، وذموا أهل الكلام بها، كذلك طعن فيها حذاق الفلاسفة وبينوا أن الطرق التي دل عليها القرآن [العزيز] أصح منها، وإن كان أولئك المعتزلة والأشعرية أقرب إلى الإسلام من هؤلاء الفلاسفة من وجه آخر.

التالي السابق


الخدمات العلمية