صفحة جزء
ولهذا رد أحمد بن حنبل على الجهمية والزنادقة فيما طعنوا فيه من متشابه القرآن وتأولوه على غير تأويله، فرد على من حمله على غير ما أريد به، وفسر هو جميع الآيات المتشابهة، وبين المراد بها.

وكذلك الصحابة والتابعون فسروا جميع القرآن، وكانوا يقولون: إن العلماء يعلمون تفسيره وما أريد به، وإن لم يعلموا كيفية ما أخبر الله به عن نفسه، وكذلك [ ص: 208 ] لا يعلمون كيفية الغيب، فإن ما أعده الله لأوليائه من النعيم لا عين رأته، ولا أذن سمعته، ولا خطر على قلب بشر، فذاك الذي أخبر به لا يعلمه إلا الله، فمن قال من السلف: إن تأويل المتشابه لا يعلمه إلا الله بهذا المعنى، فهذا حق.

وأما من قال: إن التأويل الذي هو تفسيره وبيان المراد به لا يعلمه إلا الله، فهذا ينازعه فيه عامة الصحابة والتابعين الذين فسروا القرآن كله، وقالوا: إنهم يعلمون معناه.

كما قال مجاهد: «عرضت المصحف على ابن عباس من فاتحته إلى خاتمته أقفه عند كل آية وأسأله عنها».

وقال ابن مسعود: «ما في كتاب الله آية إلا وأنا أعلم فيم أنزلت».

وقال الحسن البصري: ما أنزل الله آية إلا وهو يحب أن يعلم ما أراد بها.

ولهذا كانوا يجعلون القرآن يحيط بكل ما يطلب من علم الدين، كما قال مسروق: «ما نسأل أصحاب محمد عن شيء إلا وعلمه في القرآن، ولكن علمنا قصر عنه». وقال الشعبي: «ما ابتدع قوم بدعة إلا في كتاب الله بيانها».

وأمثال ذلك من الآثار الكثيرة المذكورة بالأسانيد الثابتة، مما ليس هذا موضع بسطه.

التالي السابق


الخدمات العلمية