صفحة جزء
قال: (ومعلوم أن معرفة الله تعالى لا تجري مجرى معرفتنا بأن العشرة أكثر من الخمسة، لأنه لو جرت هذا المجرى لاستغنينا عن الاستدلال عليه، كما نستغني عن الاستدلال على أن العشرة أكثر من الخمسة. ومعلوم أن نفوس العقلاء تتشوف إلى الاستدلال على الله تعالى، ولا يجوز أن تكون معرفتنا بالله تعالى لإدراك الحواس، لأنه لا يجوز أن يدرك بشيء منها في الدنيا، ولا يجوز أن تكون معرفتنا به واقعة بالخبر، لأن الخبر إنما يفضي إلى المعرفة إذا أخبر به خلق كثير عن مشاهدة، وليس أحد يخبرنا بالله عن مشاهدة. ولا يجوز أن تكون معرفته بطريق الإلهام، كما زعمت طائفة من الصوفية وبعض الشيعة، لأن الإلهام هو تخايل يقع في القلب، قد يكون ذلك من الله وقد يكون من وسوسة الشيطان، وليس على أحدهما دليل يدل عليه، ولأن من يدعي الإلهام يمكن خصمه أن يدعي خلافه. فإنه إذا قال: ألهمت بكذا. فيقول خصمه: وأنا ألهمت بكذا. فكان العمل به عملا بلا دليل. ألا ترى أن صاحب الشرع أمرنا بالاجتهاد عند [ ص: 30 ] فقد النصوص؟ هو عمل بدلالة النصوص، كما روي في حديث معاذ) .

قال: (ولا يلزم على هذا التحري في الأواني وغيرها في الشرع، فإنه عمل بشهادة القلب، لأنه هناك ليس ثم دليل سواه.

وذلك ليس من قبل ما ذكرنا، لأن الإلهام لا يصلح حجة لإلزام الحكم على الغير، وكذلك التحري أيضا لا يصلح للإلزام على غيره، وإنما اعتبر لجواز العمل في حق نفسه عند عدم سائر الأدلة. أما المشروعات فلا يتصور أن تنفك عن نوع دليل: إما الكتاب، أو السنة، أو إجماع، أو قياس، فلا ضرورة في العمل بغير حجة ودليل. فإذا بطلت هذه الأقسام كلها ثبت أنه لا طريق إلى معرفة الله إلا بالنظر) .

التالي السابق


الخدمات العلمية