صفحة جزء
قال: (وسنبين بعد هذا أن الجواهر المعدودات، ليست بذوات ولا أعيان ولا جواهر قبل وجود الأعراض، وأنها لم توجد إلا مع وجودها. وإنما لم نقدم هذا الباب في هذه الدلالة لعدم حاجتنا [ ص: 80 ] إليه، وذلك أنا نجعل مكان قولنا: (تقدمت الجواهر بعضها على بعض) ، أن نقول: إن بعضها ينتضد قبل بعض، وبعضها يتفرق قبل بعض، وبعضها يجتمع قبل بعض، وأنه لا يجوز أن يكون ما ينتضد منها منتضدا لنفسه، وما افترق منها مفترقا لنفسه لقيام الدليل على تماثلها، وأن ما اقتضاه ذوات بعضها من الأحكام اقتضاه ذوات سائرها، وفي العلم بأن منها ما يكون مجتمعا منتضدا، ومنها ما يكون متفرقا متباينا، دليل على أنه ليس الذي اقتضى لها ذلك ذواتها، وإن كانت تلك العلة فعلها فاعل، فصارت بوجودها على صفة ما ذكرناه من الاجتماع والافتراق، فصح أن الأفعال تتعلق بالفاعل، وأن تلك العلة إذا كانت متعلقة بالفاعل من حيث كانت فعلا محدثا، وجب أن يكون هذا سبيل الجسم، إذ كان فعلا لمساواته لما تعلق بالفاعل فيما لو كان متعلقا به. وهذا إقرار بتعلق الأفعال بالفاعل) .

قال: (ويستحيل أن يكون ما تقدم منها متقدما لا لنفسه ولا لعلة، لأنه كان يجب أن لا يكون بالتقدم - في وقت تقدمه - أولى منه بالتأخر، ولا بالتأخر أولى منه بالتقدم، ولا كان هو بأن يكون متقدما لا لنفسه ولا لعلة، أولى من تقدم ما هو مثل له في زمانه، لا لنفسه ولا لعلة، وفي العلم بكون المتقدم أولى منه بالتأخر، والمتأخر [ ص: 81 ] أولى منه بالتقدم، وإن وصفه بالتقدم والتأخر يفيد فوائد متغايرة، لا تجري مجرى الألقاب التي لا تفيد - دليل على أنه لا يجوز أن يكون ما تقدم منها متقدما لا لنفسه ولا لعلة) .

التالي السابق


الخدمات العلمية