صفحة جزء
(الوجه الأول) أن قولهم يتضمن وجود حوادث لا تتناهى في آن واحد، وهذا محال باتفاقهم مع جماهير العقلاء، بل يتضمن وجود تمام علل [ ص: 162 ] ومعلولات لا تتناهى في آن واحد، ووجود ممكنات لا تتناهى في آن واحد، وهذا مما يصرحون بامتناعه، مع قيام الدليل على امتناعه، ويتضمن امتناع وجود حادث، ووجود الحوادث بلا مؤثر تام، وكل هذا ممتنع.

وذلك أن أصلهم أن المعلول يجب مقارنته لعلته التامة في الزمان، لا يتعقبها ولا يتراخى عنها، فيكون الأثر مع التأثير التام.

وكثير من المتكلمين يقولون: يجوز أن يتراخى. والصحيح قول ثالث، وهو أن يتعقبه: لا يكون معه، ولا متراخيا عنه. وذلك يستلزم حدوث كل ما سوى الله تعالى.

وأما على قولهم فيلزم أن لا يحدث شيء في الوجود، بل يكون كل ممكن قديما أزليا، لوجود علته التامة في الأزل. ويلزم أن لا يحدث شيء لامتناع حدوث الحادث بدون سبب حادث، والأول يمتنع عندهم أن يحدث عنه شيء، ويلزم أنه كلما حدث حادث حدثت حوادث لا نهاية لها، فإنهم يقولون: لا يحدث حادث حتى تحدث تمام علته.

فيقال: وذلك التمام حادث، فيحتاج أن يحدث معه تمام علته وهلم جرا، فيلزم وجود تمام علل ومعلولات لا تتناهى في آن واحد. وهذا ممتنع، كامتناع علل ومعلولات تتناهى في آن واحد، إذ لا فرق بين امتناع التسلسل في ذات العلة وفي تمامها، إذ كانت لا تصير علة بالفعل إلا إذا كانت تامة. [ ص: 163 ]

ولهذا قالوا: لا يحدث حادث إلا بسبب حادث، فلو حدث عن القديم لافتقر إلى حادث، والقول في الثاني كالقول في الأول، فيلزم أن لا يحدث شيء.

وهذا بعينه يلزمهم في كل حادث، فإنه لا يحدث حتى يحدث حادث هو تمام مؤثره، وذلك الحادث لا يحدث حتى يحدث حادث معه، فيلزم أن لا يحدث شيء.

التالي السابق


الخدمات العلمية