صفحة جزء
قال: (وإنما احتج المتكلمون بالأعراض لأن الجسم لا ينفك منها، وهي محدثة في أنفسها، لعلمنا بأن العرض يعدم في حال ويوجد في حال أخرى. وهذا شاهد على حدوثها، وعلى حدوث ما لا ينفك منها) .

قال: (ومعنى قوله: انقلابها فيها، انقلاب الجواهر في الأعراض، ومعناه تغيره من سواد إلى بياض، ومن حركة إلى سكون) .

قلت: قد يراد بانقلابها فيها انقلاب الأعراض في الجواهر، فإنها تنقلب من عدم إلى وجود، ومن وجود إلى عدم، ومن نوع إلى نوع: كالبياض والسواد، والحركة والسكون.

وهذا المعترض على الخطابي أخطأ، فإن الخطابي ذكر طريقين كما ذكرنا: [ ص: 354 ] أحدهما: المعجزات، بناء على أن الإقرار بالصانع فطري، أو على المعجزات يستدل بها على الخالق، وعلى صدق أنبيائه، كما ذكرنا في عصا موسى.

والطريق الثاني: أن القرآن نبه على الأدلة العقلية الصحيحة، كما اعترف أئمة النظار بأن القرآن دل على الطريق العقلية.

فقال: (وإلى ذلك ما وجدوه في أنفسهم وفي سائر المصنوعات من آثار الصنعة، ودلائل الحكمة الشاهدة على أن لها صانعا حكيما، عالما خبيرا، تام القدرة، بالغ الحكمة.

وقد نبههم الكتاب على ذلك، ودعاهم إلى تدبره وتأمله، والاستدلال به على ثبوت ربوبيته، فقال عز وجل: وفي أنفسكم أفلا تبصرون [سورة الذاريات:25] ، إشارة إلى ما فيها من آثار الصنعة ولطيف الحكمة، الدالين على وجود الصانع الحكيم) .

ثم تكلم في خلق الإنسان بما تقدم ذكره. قال: (وكقوله: أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت وإلى السماء كيف رفعت وإلى الجبال كيف نصبت وإلى الأرض كيف سطحت [سورة الغاشية:17-20] [ ص: 355 ]

وبقوله تعالى: إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات [سورة آل عمران:190]، وما أشبه ذلك من خلال الأدلة، وظواهر الحجج التي يدركها كافة ذوي العقول، وعامة من يلزمه حكم الخطاب، مما يطول تتبعه واستقراؤه) .

قال: (فبهذه الوجوه ثبت عندهم أمر الصانع وكونه) .

فقد بين الخطابي بعض ما نبه عليه القرآن من الاستدلال بالآيات النفسية والأفقية، وهي أدلة عقلية.

والخطابي ذم طريقة الاستدلال بالأعراض، وأنها لازمة للأجسام. وهذه الطريقة لم ينبه القرآن عليها، ولكن بعض الناس ذكروا: أن هذه طريقة إبراهيم الخليل صلوات الله عليه، في قوله: لا أحب الآفلين [سورة الأنعام:76]، قالوا: لأن الأفول هو الحركة التي لم يخل الجسم منها.

وهذا باطل لوجوه:

التالي السابق


الخدمات العلمية