صفحة جزء
وإذا كان الله معروفا من طريق التوحيد بالعقل، فما بال قريش - مع كونها ذوي عقول - يقول الله عنهم إخبارا: أجعل الآلهة إلها واحدا إن هذا لشيء عجاب ؟ [سورة ص:5] فإن كان لا عقل لها فلا حجة عليها، وإن كانت ذوي عقول فما أغنت عنهم عقولهم.

وقال سبحانه: وجعلنا لهم سمعا وأبصارا وأفئدة فما أغنى عنهم سمعهم ولا أبصارهم [سورة الأحقاف:26] الآية ، وأخبر عنهم أنهم يقولون في النار: لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير [سورة الملك:10]، لا خلاف أنهم كانوا ذوي أسماع لا يسمعون بها، وكذلك عقول لا تغني عنهم ولا يستعملونها، فلم تكن مغنية لهم مع تكذيبهم الرسل، فبوجود الرسل صح التكليف، وبالعقل تمثيل ذلك بعد التوفيق، وليس للعقل مدخل فيما تقدم من المعارف، وإن كان له ها هنا مدخل، فالأصل الرسل والعقل اتبع ذلك.

وأما العقل فله مدخل بالغ في معرفة المزيد، وكذلك العلم، فالعلم بيان الله، والعقل حجة الله، والرسل هم الحجة الظاهرة المبلغة عن الله مراده، والمخبرة بأمره، والداعية إلى سبيله. ولما كان سبحانه لا سبيل إليه. ولا عقول تشرف عليه، ولا لنا طاقة إلى استماع كلامه، لم يكن بد من بعث الرسل لنعلم بها مراد الربوبية منا. [ ص: 514 ]

وليس هذا للعقل، وإنما للعقل الزوائد والتصرف في المراد المخبر عنه الرسل، فعم سبحانه بمعرفة وحدانيته سائر ما ابتدع، وخص بمعرفة ربوبيته بني آدم كما كرمهم، وخص بمعرفة توحيده المؤمنين، وخص بمعرفة المزيد خواص المؤمنين.

وفي هذه المعرفة يتفاوت الناس، فمن كان معه معرفتان كان كافرا، ومن كان معه ثلاث فهو مسلم، فإذا كان أربع كان مؤمنا، فإذا كانت معه خمس كان مؤمنا عالما، ثم يفاوتون في معرفة المزيد على قدر أحوالهم، وصدق الهمم، واتباع العلم، وقوة اليقين، وصفاء الإخلاص، وصحة المعتقد، ولزوم السنة.

التالي السابق


الخدمات العلمية