صفحة جزء
الوجه الثاني: أنه من المعلوم أن القائم بنفسه ليس هو القائم بغيره، والجسم ليس هو العرض، والموصوف ليس هو الصفة، والذات ليست هي النعوت، فمن قال: إن العالم هو العلم، والعلم هو العالم فضلاله بين.

وكذلك معلوم أن العلم ليس هو المعلوم، فمن قال: إن العلم هو المعلوم، والمعلوم هو العلم فضلاله بين أيضا.

ولفظ العقل إذا أريد به المصدر فليس المصدر هو العاقل الذي هو اسم الفاعل، ولا المعقول الذي هو اسم مفعول، وإذا أريد بالعقل جوهر [ ص: 286 ] قائم بنفسه فهو العاقل، فإذا كان يعقل نفسه أو غيره فليس عين عقله لنفسه أو غيره هو عين ذاته، وكذلك إذا سمي عاشقا ومعشوقا بلغتهم، أو قيل: محبوب ومحب بلغة المسلمين، فليس الحب والعشق هو نفس العاشق ولا المحب، ولا العشق ولا الحب هو المعشوق ولا المحبوب، بل التمييز بين مسمى المصدر ومسمى اسم الفاعل واسم المفعول، والتفريق بين الصفة والموصوف مستقر في فطر العقول ولغات الأمم، فمن جعل أحدهما هو الآخر كان قد أتى من السفسطة بما لا يخفى على من يتصور ما يقول: ولهذا كان منتهى هؤلاء السفسطة في العقليات والقرمطة في السمعيات.

التالي السابق


الخدمات العلمية