صفحة جزء
وهذا القدر الذي وقع فيه ضلال المتفلسفة لم يقصده عقلاؤهم في الأصل، بل كان غرضهم تحقيق الأمور والمعارف، لكن وقعت لهم شبهات ضلوا بها، كما ضل من ضل ابتداء من المشركين منهم ومن غيرهم من الكفار ممن ضل ببعض الشبهات، ولهذا يجب على من يريد كشف ضلال هؤلاء وأمثالهم: أن يوافقهم على لفظ مجمل حتى يتبين معناه، ويعرف مقصوده، ويكون الكلام في المعاني العقلية المبينة، لا في معان مشتبهة بألفاظ مجملة.

واعلم أن هذا نافع في الشرع والعقل:

أما الشرع: فإن علينا أن نؤمن بما قاله الله ورسوله، فكل ما ثبت أن الرسول صلى الله عليه وسلم قاله، فعلينا أن نصدق به، وإن لم نفهم معناه، لأنا قد علمنا أنه الصادق المصدوق الذي لا يقول على الله إلا الحق، وما تنازع فيه الأمة من الألفاظ المجملة كلفظ المتحيز والجهة، والجسم، والجوهر، والعرض وأمثال ذلك، فليس على أحد أن يقبل مسمى اسم من هذه الأسماء، لا في النفي ولا في الإثبات، حتى يتبين له معناه، فإن كان المتكلم بذلك أراد معنى صحيحا، موافقا لقول المعصوم كان ما أراده حقا، وإن كان أراد به معنى مخالفا لقول المعصوم كان ما أراده باطلا. [ ص: 297 ]

ثم يبقى النظر في إطلاق ذلك اللفظ ونفيه، وهي مسألة فقهية، فقد يكون المعنى صحيحا ويمتنع من إطلاق اللفظ لما فيه من مفسدة، وقد يكون اللفظ مشروعا ولكن المعنى الذي أراده المتكلم باطل، كما قال علي رضي الله عنه ـ لمن قال من الخوارج المارقين: «لا حكم إلا لله» ـ: كلمة حق أريد بها باطل.

التالي السابق


الخدمات العلمية