صفحة جزء
الوجه الرابع عشر: قوله: بل واجب الوجود إنما يعقل كل شيء على نحو كلي، ومع ذلك فلا يعزب عنه شيء شخصي، فلا يعزب عنه مثقال ذرة في السماوات والأرض، وهذا من العجائب.

فيقال: إن عنيت أنه لا يعزب عنه من حيث هو كلي، فهل في هذا ما يقتضي أنه يعلم شيئا من الجزئيات؟ فإن العلم بالكلي من حيث هو كلي، لا يوجب علما بشيء من المعينات الموجودة، فمن علم أن كل إنسان حيوان، لم يوجب ذلك أن يعلم إنسانا بعينه، ولا شيئا من تعيناته، ولا عدد الأناسي، بل ولا يعلم حيوانا بعينه.

وإن عنيت أنه لا يعزب عنه شيء من المعينات، فهذا مع قولك: إنما يعقلها على وجه كلي، باطل. [ ص: 31 ]

وقد قال قبل هذا: إن الفاسدات إن عقلت بالماهية المجردة، وبما يتبعها مما لا يتشخص، فلم تعقل بما هي فاسدة، وإن أدركت بما هي مقارنة للمادة وعوارض المادة، لم تكن معقولة، بل محسوسة أو متخيلة.

فقد ذكر أنها إذا عقلت بالماهية المجردة وما يتبعها، فلم تعقل عينها المعينة، وإن عقلت معينة فهي محسوسة لا معقولة، فالمعينات عنده لا تكون إلا محسوسة لا معقولة، وعنده لا توصف بالحس، فكيف يقول: إنه لا يعزب شيء شخصي مع قوله: إنه لا يعلم شيئا عن المشخصات المتغيرة؟

التالي السابق


الخدمات العلمية