صفحة جزء
قالوا: فالإله واحد من جهة، ثلاثة من جهة، يريدون أنه ثلاثة من جهة أنه موجود وحي وعالم، وواحد من جهة أن مجموعها شيء واحد.

فهنا ثلاثة مذاهب: مذهب من رأى أنه نفس الذات ولا كثرة هنالك. ومذهب من رأى الكثرة، وهؤلاء قسمان: منهم من جعل الكثرة كثرة قائمة بذاتها. ومنهم من جعلها كثرة قائمة بغيرها. وهذا كله بعيد عن مقصد الشرع.

وإذا كان هذا هكذا، فالذي ينبغي أن يعلم الجمهور من أمر هذه الصفات هو ما صرح به الشرع فقط، وهو الاعتراف بوجودها دون [ ص: 229 ] تفصيل الأمر فيها، فإنه ليس يمكن عند الجمهور أن يحصل في هذا يقين أصلا.

وأعني هنا بالجمهور كل من لم يعن بالصنائع البرهانية.

وسواء كان قد حصلت له صناعة الكلام أو لم تحصل له، فإنه ليس في قوة صناعة الكلام الوقوف على هذا القدر من المعرفة؛ إذ أعلى مراتب صناعة الكلام أن يكون حكمة جدلية لا برهانية، وليس في قوة صناعة الجدل الوقوف على الحق في هذا.

فقد تبين من هذا القول القدر الذي صرح به للجمهور من المعرفة في هذا، والطرق التي سلكت بهم في ذلك، وأن الطرق التي سلكوا بالناس في هذه الأشياء، وزعموا أنها من أصل الشرع، ليست من أصل الشرع، بل هي مسكوت عنها في الشرع.

قلت: مقصوده بهذا الكلام يبين أن طرق إخوانه الفلاسفة في نفي الصفات هي البرهانية، دون طرق غيرهم. وليس الأمر كما زعمه، بل ما سلكه إخوانه في نفي الصفات أضعف بكثير مما سلكه المعتزلة، مع أن [ ص: 230 ] كليهما فاسد، كما قد بين في موضعه.

التالي السابق


الخدمات العلمية