صفحة جزء
ولو قال قائل: الإنسان دائما يتجدد له تصورات وإرادات وحركات بدون سبب حادث، ولا يحدثها محدث أصلا، ألم يكن ذلك ممتنعا؟.

فإن قيل: بإحداثه للأول استعان على إحداث الثاني.

قيل: فما الموجب لإحداثه الأول، وهو لم يزل في إحداث إذا قدر أزليا لم يكن هناك أول، بل لم يزل في إحداث.

فإن قيل تلك الحوادث التي للإنسان صدرت عن العقل الفعال بدون سبب حادث.

قيل: فالعقل الفعال دائم الفيض عندهم، فلم خص هذه التصورات والإرادات والحركات بوقت دون وقت؟.

قالوا: لعدم استعداد القوابل، فإذا استعد الإنسان للفيض أفاض عليه واهب الصور.

فإذا قيل لهم: فما الموجب لحدوث الاستعداد؟

قالوا: ما يحدث من الحركات الفلكية والامتزاجات العنصرية، فلا يجعلون العقل الفعال هو الموجب لما يحدث من الاستعداد، بل يحيلون ذلك على تحريكات خارجة عنه وعن إفاضته.

فإن قالوا مثل هذا في الأول، لزم أن يكون المحدث لشروط الفيض غيره، وشبهوه بالفعال في كونه لا يفيض عنه إلا بعض الأشياء دون بعض، لكن الفعال [ ص: 400 ] تحدث عنه الأشياء شيئا بعد شيء عندهم، أما الأول فلا يحدث عنه شيء، بل معلوله لازم له، فهو أنقص رتبة في الإحداث عندهم من الفعال.

وإن قالوا: بل هو المحدث للشروط شيئا فشيئا.

التالي السابق


الخدمات العلمية