صفحة جزء
وادعيت أيها المريسي في قول الله: الله لا إله إلا هو الحي القيوم [ سورة البقرة: 255]، وادعيت أن تفسير القيوم عندك لا يزول، يعني الذي لا ينزل ولا يتحرك ولا يقبض ولا يبسط، وأسندت ذلك عن بعض أصحابك غير مسمى عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس أنه قال: القيوم الذي لا يزول، ومع روايتك هذه عن ابن عباس دلائل وشواهد أنها باطلة:

إحداها: أنك رويتها وأنت المتهم في توحيد الله.

والثانية: أنك رويته عن بعض أصحابك غير مسمى، وأصحابك مثلك في الظنة والتهمة. [ ص: 72 ]

والثالثة: أنه عن الكلبي، وقد أجمع أهل العلم بالأثر على أن لا يحتجوا بالكلبي في أدنى حلال ولا حرام، فكيف في تفسير توحيد الله وتفسير كتابه؟ وكذلك أبو صالح.

ولو قد صحت روايتك عن ابن عباس أنه قال: "القيوم: الذي لا يزول" لم نستنكره، وكان معناه مفهوما واضحا عند العلماء وعند أهل البصر بالعربية أن معنى لا يزول لا يفنى ولا يبيد، لا أنه لا يتحرك ولا يزول من مكان إلى مكان إذا شاء، كما كان يقال للشيء الفاني: هو زائل، كما قال لبيد:


ألا كل شيء ما خلا الله باطل. .. وكل نعيم لا محالة زائل



يعني فان، لا أنه متحرك، فإن أمارة ما بين الحي والميت التحرك، وما لا يتحرك فهو ميت لا يوصف بحياة كما لا توصف الأصنام الميتة، قال الله تعالى: والذين يدعون من دون الله لا يخلقون شيئا وهم يخلقون أموات غير أحياء وما يشعرون أيان يبعثون [ سورة النحل: 20، 21] فالله الحي القيوم القابض الباسط يتحرك إذا شاء، [ ص: 73 ] وينزل إذا شاء، ويفعل ما يشاء، بخلاف الأصنام الميتة التي لا تزول حتى تزال.

التالي السابق


الخدمات العلمية