صفحة جزء
وكذلك في الأحاديث المستفيضة الصحيحة المتلقاة بالقبول، كقوله صلى الله عليه وسلم فيما يروى عن ربه " ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه" وقوله: " أتدرون ماذا قال ربكم [ ص: 125 ] الليلة؟". وقوله في حديث الشفاعة: " إن ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله".

وقوله: " إذا تكلم الله بالوحي سمع أهل السماوات كجر السلسلة على الصفا"

وقوله: " إن الله يحدث من أمره ما شاء وإن مما أحدث: أن لا تكلموا في الصلاة".

وقوله في حديث التجلي: " فيقولون: هذا مكاننا حتى يأتينا ربنا، فإذا جاء ربنا عرفناه، فيأتيهم الله في صورته التي يعرفون".

وقوله: " لله أشد فرحا بتوبة عبده من رجل أضل راحلته بأرض دوية مهلكة عليها طعامه وشرابه، فطلبها فلم يجدها، فنام تحت [ ص: 126 ] شجرة ينتظر الموت، فلما استيقظ إذا هو بدابته عليها طعامه وشرابه، فالله أشد فرحا بتوبة عبده من هذا براحلته" وهذا الحديث مستفيض عن النبي صلى الله عليه وسلم في الصحيحين من غير وجه، من حديث ابن مسعود وأبي هريرة وأنس وغيرهم.

وقوله: " يضحك الله إلى رجلين أحدهما صاحبه، كلاهما يدخل الجنة" وفي حديث آخر من يدخل الجنة " قال: فيضحك الله منه" وقوله " ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه ليس بينه وبينه حاجب ولا ترجمان".

وفي حديث " قسمت الصلاة بيني وبين [ ص: 127 ] عبدي نصفين، فإذا قال العبد: الحمد لله رب العالمين ، قال الله: حمدني عبدي، فإذا قال: الرحمن الرحيم قال: أثنى علي عبدي. فإذا قال: مالك يوم الدين ، قال مجدني عبدي"، وقوله صلى الله عليه وسلم " يقول الله تعالى: من تقرب إلي شبرا تقربت إليه ذراعا، ومن تقرب إلي ذراعا تقربت إليه باعا" وقوله صلى الله عليه وسلم " ينزل الله تعالى إلى السماء الدنيا شطر الليل، أو ثلث الليل الآخر، فيقول: من يدعوني فأستجيب له؟ من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له؟".

وقوله صلى الله عليه وسلم في حديث الأنصاري الذي أضاف رجلا وآثره على نفسه وأهله، فلما أصبح الرجل غدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال " لقد ضحك الله الليلة، أو عجب من فعالكما" [ ص: 128 ] وأنزل الله تبارك وتعالى ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة [ سورة الحشر: 9] وهذه الأحاديث كلها في الصحيحين.

وفي السنن من حديث علي عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث الركوب على الدابة، قال: فقلت " يا رسول الله من أي شيء تضحك؟ قال: ربك يضحك إلى عبده إذا قال: رب اغفر لي ذنوبي، إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، قال: علم عبدي أنه لا يغفر الذنوب غيري" وفي لفظ: " إن ربك ليعجب من عبده إذا قال: رب اغفر لي ذنوبي، يعلم أنه لا يغفر الذنوب غيري" وفي حديث أبي رزين عنه صلى الله عليه وسلم قال: " ضحك ربنا من قنوط عباده وقرب غيره ينظر إليكم أزلين قنطين، فيظل يضحك، يعلم أن فرجكم قريب، فقال له أبو رزين: أويضحك الرب؟ قال نعم، فقال لن نعدم من رب يضحك خيرا".

وفي الصحيحين وغيرهما - في حديث التجلي الطويل المشهور الذي [ ص: 129 ] روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجوه متعددة - فهو في الصحيحين من حديث أبي هريرة وأبي سعيد، وفي مسلم من حديث جابر، ورواه أحمد من حديث ابن مسعود وغيره، قال في حديث أبي هريرة " قال: أولست قد أعطيت العهود والمواثيق: أن لا تسأل غير الذي أعطيت؟ فيقول: يا رب لا تجعلني أشقى خلقك! فيضحك الله تبارك وتعالى منه، ثم يأذن له في دخول الجنة".

وفي صحيح مسلم " عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يا ابن آدم، أترضى أن أعطيك الدنيا ومثلها معها؟ فيقول: أي رب أتستهزئ بي، وأنت رب العالمين؟ وضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: ألا تسألوني: مم ضحكت؟ فقالوا: مم ضحكت يا رسول الله؟ فقال: من ضحك رب العالمين، [ ص: 130 ] حين قال: أتستهزئ بي وأنت رب العالمين؟ فيقول: إني لا أستهزئ بك، ولكني على ما أشاء قادر".

وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " يضحك الله إلى رجلين يقتل أحدهما الآخر، كلاهما يدخل الجنة، قالوا: كيف يا رسول الله؟ قال: يقتل هذا فيلج الجنة، ثم يتوب الله على الآخر فيهديه إلى الإسلام ثم يجاهد في سبيل الله فيستشهد".

وفي الصحيح أيضا عنه صلى الله عليه وسلم قال " عجب الله من قوم يقادون إلى الجنة في السلاسل".

وفي حديث معروف: " لا يتوضأ أحدكم فيحسن وضوءه ويسبغه، ثم يأتي المسجد لا يريد إلا الصلاة فيه إلا تبشبش الله به كما يتبشبش أهل الغائب بطلعته".

وفي الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم أيضا أنه قال: " الدنيا حلوة خضرة، وإن الله مستخلفكم فيها، فناظر كيف تعملون" - وفي لفظ: [ ص: 131 ] " مستخلفكم فيها لينظر كيف تعملون فاتقوا الدنيا، واتقوا النساء".

وفي الصحيح أيضا عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال " إن الله لا ينظر صوركم وأموالكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم".

وفي الصحيحين عن أبي واقد الليثي " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان قاعدا في أصحابه إذ جاء ثلاثة نفر، فأما رجل فوجد فرجة في الحلقة فجلس، وأما رجل فجلس، يعني خلفهم، وأما رجل فانطلق، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ألا أخبركم عن هؤلاء النفر؟ أما الرجل الذي جلس في الحلقة فرجل أوى إلى الله فآواه الله، وأما الرجل الذي جلس خلف الحلقة فاستحيا فاستحيا الله منه، وأما الرجل الذي انطلق فأعرض فأعرض الله عنه".

وعن سلمان الفارسي موقوفا ومرفوعا قال: " إن الله يستحي أن [ ص: 132 ] يبسط العبد يديه إليه يسأله فيهما خيرا فيردهما صفرا خائبتين".

وفي الصحيح عنه، فيما يروي عن ربه تبارك وتعالى " ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، فبي يسمع، وبي يبصر، وبي يبطش، وبي يمشي، ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه، وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن قبض نفس عبدي المؤمن، يكره الموت وأكره مساءته ولا بد له منه".

وفي الحديث الصحيح عن عبادة بن الصامت عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه، فقالت عائشة: إنا لنكره الموت؟ قال: ليس ذاك، ولكن المؤمن إذا حضره الموت يبشر برضوان الله وكرامته، وإذا بشر بذلك أحب لقاء الله وأحب الله لقاءه، وإن الكافر إذا حضره [ ص: 133 ] الموت بشر بعذاب الله وسخطه، فكره لقاء الله، وكره الله لقاءه".

وفي الصحيحين عن البراء بن عازب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " الأنصار لا يحبهم إلا مؤمن، ولا يبغضهم إلا منافق، من أحبهم أحبه الله، ومن أبغضهم أبغضه الله".

وفي الصحيحين عن أبي سعيد " عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الله تبارك وتعالى يقول لأهل الجنة: يا أهل الجنة، فيقولون: لبيك وسعديك، فيقول: هل رضيتم؟ فيقولون: وما لنا لا نرضى؟ وقد أعطيتنا ما لم تعط أحدا من خلقك، فيقول عز وجل: أنا أعطيكم أفضل من ذلك، قالوا: يا رب وأي شيء أفضل من ذلك؟ قال: [ ص: 134 ] أحل عليكم رضواني، فلا أسخط عليكم بعده أبدا".

وفي الصحيحين عن أنس قال: " أنزل علينا - ثم كان من النسوخ -: أبلغوا قومنا أنا قد لقينا ربنا، فرضي عنا وأرضانا ".

وفي حديث " عمرو بن مالك الرواسي قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم، فقلت: يا رسول الله، ارض عني، قال: فأعرض عني، ثلاثا، قال: قلت: يا رسول الله، إن الرب ليرضى فيرضى، فارض عني، فرضي عني".

وفي الصحيحين عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من حلف على يمين صبر ليقتطع بها مال امرئ مسلم، وهو فيها فاجر، لقي الله وهو عليه غضبان". [ ص: 135 ]

وفي الصحيحين " عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال اشتد غضب الله على قوم فعلوا هذا برسول الله وهو حينئذ يشير إلى رباعيته".

وقال: " اشتد غضب الله على رجل يقتله رسول الله في سبيل الله".

وفي صحيح مسلم عن حذيفة بن أسيد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إذا مر بالنطفة اثنتان وأربعون ليلة بعث الله إليها ملكا فصورها، وخلق سمعها وبصرها وجلدها ولحمها وعظامها، ثم قال: يا رب ذكر أم أنثى؟ فيقضي ربك ما شاء، ويكتب الملك، ثم يقول: يا رب أجله فيقضي ربك ما شاء، ويكتب الملك، فيقول: يا رب رزقه؟ فيقضي ربك ما شاء، ويكتب الملك، ثم [ ص: 136 ] يخرج الملك الصحيفة في يده، فلا يزيد على ما أمر ولا ينقص".

وفي الصحيح " عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في سجوده أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك، لا أحصي ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك".

وفي حديث آخر: " أعوذ بكلمات الله التامة من غضبه وعقابه وشر عباده".

وفي الصحيحين عن أنس في حديث الشفاعة " عن النبي صلى الله عليه وسلم قال فإذا رأيت ربي وقعت له ساجدا، فيدعني ما شاء الله أن يدعني، ثم يقول لي: يا محمد، ارفع رأسك، سل تعطه، واشفع تشفع" وذكر مثل هذا ثلاث مرات. [ ص: 137 ]

وفي الصحيحين عن أبي هريرة قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار، ويجتمعون في صلاة الفجر وصلاة العصر، ثم يعرج إليه الذين باتوا فيكم، فيسألهم - وهو أعلم بهم - كيف تركتم عبادي؟ قالوا: تركناهم وهم يصلون، وأتيناهم وهم يصلون".

وفي الصحيحين أيضا عن أبي هريرة " عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن لله ملائكة سيارة فضلا عن كتاب الناس، سياحين في الأرض، فإذا وجدوا قوما يذكرون الله تنادوا: هلموا إلى حاجتكم، قال: فيجيئون حتى يحفون بهم إلى السماء الدنيا، قال: فيقول الله عز وجل: أي شيء تركتم عبادي [ ص: 138 ] يصنعون؟ قال: فيقولون: تركناهم يحمدونك ويسبحونك ويمجدونك، قال: فيقول: هل رأوني؟ قال: فيقولون: لا، قال: كيف لو رأوني؟ قال: فيقولون: لو رأوك لكانوا أشد تمجيدا وأشد ذكرا، قال: فيقول: فأي شيء يطلبون؟ قالوا يطلبون الجنة، قال: فيقول: وهل رأوها؟ قال: فيقولون: لا، قال: فيقول: كيف لو رأوها؟ قال: فيقولون: لو رأوها كانوا أشد عليها حرصا وأشد لها طلبا، قال: فيقول: من أي شيء يتعوذون؟ قال: فيقولون: يتعوذون من النار، قال: فيقول: وهل رأوها؟ قال: فيقولون: لا، قال: فيقول: كيف لو رأوها؟ قال: فيقولون: لو رأوها كانوا أشد منها تعوذا وأشد منها هربا، قال: فيقول: إني أشهدكم أني قد غفرت لهم، قال فيقولون: إن فيهم فلانا الخطاء، لم يردهم، إنما جاء في حاجة، قال: فيقول: هم القوم لا يشقى بهم جليسهم".

وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن الله [ ص: 139 ] إذا أحب عبدا نادى جبريل: إني قد أحببت فلانا فأحبه، قال: فيحبه جبريل، ثم ينادي في السماء: إن الله يحب فلانا فأحبوه، فيحبه أهل السماء، ثم يوضع له القبول في الأرض" وقال في البغض مثل ذلك.

وفي الصحيحين عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " يقول الله تعالى: أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه حين يذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم، وإن اقترب إلي شبرا اقتربت له ذراعا، وإن اقترب إلي ذراعا اقتربت إليه باعا، وإن أتاني يمشي أتيته هرولة".

وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة وأبي سعيد: أنهما شهدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " ما جلس قوم يذكرون الله إلا حفت [ ص: 140 ] بهم الملائكة، وغشيتهم الرحمة، وذكرهم الله فيمن عنده".

وفي الصحيحين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم " أن رجلا أصاب ذنبا، فقال: رب، إني قد أصبت ذنبا فاغفره لي، فقال ربه: علم عبدي أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ به، قد غفرت لعبدي، ثم مكث ما شاء الله، ثم أذنب ذنبا آخر، فقال: أي رب، إني قد أذنبت ذنبا فاغفره لي، فقال ربه: علم عبدي أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ به، قد غفرت لعبدي، فليعمل ما يشاء".

وفي الصحيحين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " يقبض الله الأرض ويطوي السماء بيمينه، ثم يقول: أنا الملك، أين ملوك الأرض؟". [ ص: 141 ]

وفي الصحيحين عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " ما منكم أحد إلا سيكلمه ربه، ليس بينه وبينه حاجب ولا ترجمان، فينظر أيمن منه فلا يرى إلا شيئا قدمه، وينظر أشأم منه فلا يرى إلا شيئا قدمه، وينظر أمامه فتستقبله النار، فمن استطاع منكم أن يتقي النار ولو بشق تمرة فليفعل، فإن لم يجد فبكلمة طيبة".

وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث الرؤية قال فيه: " فيلقى العبد فيقول: أي فل، ألم أكرمك، وأسودك وأزوجك، وأسخر لك الخيل والإبل، وأذرك ترأس وتربع؟ فيقول: بلى يا رب، قال: فيقول: أفظننت أنك ملاقي؟ فيقول: لا، فيقول: إني أنساك كما نسيتني، ثم يلقى الثاني، فيقول: أي فل - فذكر مثل ما قال الأول - ويلقى الثالث فيقول: آمنت بك وبكتابك وبرسولك، وصليت وصمت وتصدقت، ويثني بخير ما استطاع، قال: فيقول: فههنا إذن، قال: ثم يقال: ألا نبعث شاهدنا عليك؟ فيفكر في نفسه من الذي يشهد علي؟ فيختم على فيه، ويقال لفخذه: انطقي، فتنطق فخذه ولحمه وعظامه بعمله ما كان ذلك، ليعذر من نفسه، وذلك المنافق" وذكر الحديث. [ ص: 142 ]

وفي صحيح مسلم " عن أنس قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فضحك، قال: هل تدرون مم أضحك؟ قال: قلنا: الله ورسوله أعلم، قال: من مخاطبة العبد ربه، يقول: يا رب ألم تجرني من الظلم؟ قال: يقول: بلى، قال: فيقول: فإني لا أجيز على نفسي إلا شاهدا مني، قال: فيقول: فكفى بنفسك عليك شهيدا، وبالكرام الكاتبين شهودا، قال: فيختم على فيه، ويقال لأركانه: انطقي بأعماله، فتنطق بأعماله قال: ثم يخلي بينه وبين الكلام، قال: فيقول: بعدا لكن وسحقا، فعنكن كنت أناضل".

وفي الصحيحين عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " يقول الله لأهون أهل النار عذابا يوم القيامة: لو كان لك ما على الأرض من شيء، أكنت تفتدي به؟ فيقول: نعم، فيقول له: قد أردت منك ما هو أهون من هذا وأنت في صلب آدم: أن لا تشرك بي، فأبيت إلا أن تشرك". [ ص: 143 ]

وفي الصحيحين عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " يدنو أحدكم من ربه، حتى يضع كنفه عليه، فيقول: عملت كذا وكذا؟ فيقول: نعم يا رب، فيقرره، ثم يقول: قد سترت عليك في الدنيا، وأنا أغفرها لك اليوم، قال: ثم يعطى كتاب حسناته، وهو قوله: هاؤم اقرءوا كتابيه وأما الكفار والمنافقون فينادون: هؤلاء الذين كذبوا على ربهم، ألا لعنة الله على الظالمين".

وفي صحيح مسلم وغيره عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " يقول الله يوم القيامة: يا ابن آدم، مرضت فلم تعدني، فيقول: يا رب كيف أعودك، وأنت رب العالمين؟ فيقول: أما علمت أن عبدي فلانا مرض فلم تعده؟ أما علمت أنك لو عدته لوجدتني عنده، ويقول: يا ابن آدم، استسقيتك فلم تسقني، فيقول: أي رب، وكيف أسقيك وأنت رب العالمين؟ فيقول تبارك وتعالى: أما علمت أن عبدي فلانا استسقاك فلم تسقه؟ أما علمت أنك لو سقيته لوجدت ذلك عندي؟ قال: ويقول: يا ابن آدم، استطعمتك فلم تطعمني، فيقول: أي رب وكيف أطعمك، وأنت [ ص: 144 ] رب العالمين؟ فيقول: أما علمت أن عبدي فلانا استطعمك فلم تطعمه؟ أما إنك لو أطعمته لوجدت ذلك عندي".

وفي الصحيحين عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إن الله يقول لأهل الجنة: يا أهل الجنة، فيقولون: لبيك ربنا وسعديك والخير في يديك، فيقول: هل رضيتم؟ فيقولون: ربنا وما لنا لا نرضى؟ وقد أعطيتنا ما لم تعط أحدا من خلقك.

فيقول: ألا أعطيكم أفضل من ذلك؟ قال: فيقولون: يا رب، وأي شيء أفضل من ذلك؟ قال: أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبدا"
وهذا فيه ذكر المخاطبة وذكر الرضوان جميعا.

وفي الصحيحين عن عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " آخر أهل الجنة دخولا الجنة وآخر أهل النار خروجا من النار: رجل يخرج حبوا، فيقول له ربه: ادخل الجنة، فيقول: إن الجنة ملأى، فيقول له ذلك ثلاث مرات، كل ذلك يعيد: الجنة ملأى، فيقول: إن لك مثل الدنيا عشر مرات". [ ص: 145 ]

وفي الصحيحين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ثلاثة لا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم: رجل حلف على يمين على مال امرئ مسلم فاقتطعه، ورجل حلف على يمين بعد العصر: أنه أعطي بسلعته أكثر مما أعطي، وهو كاذب، ورجل منع فضل ماء، يقول الله اليوم أمنعك من فضلي، كما منعت فضل ما لم تعمل يداك".

وفي صحيح مسلم " عن أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم، قال: فقرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات، فقال أبو ذر: خابوا وخسروا، من هم يا رسول الله؟ قال: المسبل إزاره، والمنان، والمنفق سلعته بالحلف الكاذب".

[ ص: 146 ] وهذان الحديثان فيهما نفي التكليم والنظر عن بعض الناس، كما نفى القرآن مثل ذلك، وأما نفي التكليم وحده ففي غير حديث.

وهذا الباب في الأحاديث كثير جدا يتعذر استقصاؤه، ولكن نبهنا ببعضه على نوعه، والأحاديث جاءت في هذا الباب كما جاءت الآيات مع زيادة تفسير في الحديث، كما أن أحاديث الأحكام تجيء موافقة لكتاب الله، مع تفسيرها لمجمله، ومع ما فيها من الزيادات التي لا تعارض القرآن، فإن الله سبحانه وتعالى أنزل على نبيه الكتاب والحكمة، وأمر أزواج نبيه أن يذكرن ما يتلى في بيوتهم من آيات الله والحكمة، وامتن على المؤمنين بأن بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ألا وإني أوتيت الكتاب ومثله معه". وفي رواية: " ألا إنه مثل القرآن أو أكثر".

فالحكمة التي أنزلها الله عليه مع القرآن، وعلمها لأمته، تتناول ما تكلم به في الدين من غير القرآن من أنواع الخبر والأمر، فخبره موافق [ ص: 147 ] لخبر الله، وأمره موافق لأمر الله، فكما أنه يأمر بما في الكتاب أو بما هو تفسير ما في الكتاب، وبما لم يذكر بعينه في الكتاب، فهو أيضا يخبر بما في الكتاب وبما هو تفسير ما في الكتاب، وبما لم يذكر بعينه في الكتاب، فجاءت أخباره في هذا الباب يذكر فيها أفعال الرب: كخلقه ورزقه وعدله وإحسانه وإثابته ومعاقبته، ويذكر فيها أنواع كلامه وتكليمه لملائكته وأنبيائه وغيرهم من عباده، ويذكر فيها ما يذكره من رضاه وسخطه، وحبه وبغضه، وفرحه وضحكه، وغير ذلك من الأمور التي تدخل في هذا الباب.

التالي السابق


الخدمات العلمية