صفحة جزء
ثم قال أحمد: "بل نقول: إن الله لم يزل متكلما إذا شاء، ولا نقول: إنه كان ولا يتكلم حتى خلق.. " فبين أن الكلام يتعلق بمشيئته وأنه لم يزل متكلما إذا شاء فرد قول من لا يجعل الكلام متعلقا بالمشيئة، كقول الكلابية ومن وافقهم، ومن يقول: "كان ولا يتكلم حتى حدث له الكلام" كقول الكرامية ونحوهم، وقال: "لا نقول إنه كان ولا يتكلم حتى خلق كلاما، ولا نقول: إنه قد كان لا يعلم حتى خلق علما فعلم، ولا نقول: إنه كان ولا قدرة له حتى خلق لنفسه قدرة، ولا نقول: إنه قد كان له ولا نور له حتى خلق لنفسه [ ص: 298 ] نورا، ولا نقول: إنه كان ولا عظمة له حتى خلق لنفسه عظمة" فنزهه سبحانه عن سلب صفات الكمال في وقت من الأوقات، وإنا لا نقول: تجددت له صفات الكمال، بل لم يزل موصوفا بصفات الكمال، ومن صفات الكمال: إنه لم يزل متكلما إذا شاء، لا أن يكون الكلام خارجا عن قدرته ومشيئته، ولهذا لم يقل: لم يزل عالما إذا شاء، ولا قال: يعلم كيف شاء، وقد قال في موضع آخر فيما رواه عنه حنبل: "لم يزل الله عالما متكلما غفورا".

وكلام أحمد وغيره من الأئمة في هذا الأصل كثير ليس هذا موضع بسطه، مثل ما ذكره البخاري في آخر صحيحه في كتاب التوحيد والرد على الجهمية قال: باب ما جاء في تخليق السماوات والأرض وغيرهما من الخلائق، وهو فعل الرب وأمره، فالرب تعالى بصفاته وفعله وأمره - وفي نسخة "وكلامه" - هو الخالق المكون، غير [ ص: 299 ] مخلوق، وما كان بفعله وأمره وتخليقه وتكوينه فهو مفعول مكون مخلوق".

التالي السابق


الخدمات العلمية