صفحة جزء
وأما إن أريد استناده إلى آخر يكون موجودا قبله ويعدم أيضا قبله، وهذا هو الذي أراده الرازي، لم يحتج أيضا إلى هذا لوجوه:

أحدها: أنه إذا بطل إسناده إلى ممكن موجود حال وجوده، فبطلان إسناده إلى ممكن يعدم حين وجوده أولى وأحرى، فإذا قام الدليل على بطلان تسلسل العلل الممكنة مع كونها معا في الوجود، فبطلان التسلسل مع تعاقبها أظهر وأجلى.

الثاني: أن الدليل الدال على بطلان التسلسل في العلل هو دليل مطلق عام، سواء قدرت متقارنة أو متعاقبة، فإن جميع ما ذكر من [ ص: 292 ] الأدلة الدالة على أن مجموع الممكنات مفتقرة إلى أمر خارج عنها يتناول جميع الأنواع التي يقدرها، سواء قدر أنها متسلسلة على سبيل الاقتران أو على سبيل التعاقب، وسواء قدرت مع التعاقب بعدم الأول عند وجود الثاني، أو يبقى بعد وجوده، أو لا يكون وجوده إلا مع وجوده لا سابقا ولا لاحقا. وكذلك إذا قدرت مع الاقتران لا يكون بعضها قبل بعض ولا بعده، أو يوجد بعضها قبل بعض أو بعده، فمهما قدر من التقديرات التي تخطر بالبال في تسلسل المؤثرات، فما ذكر من الأدلة يبطل ذلك كله ويبين امتناعه، فتبين أن ما ذكره ابن سينا كاف في ذلك لا يحتاج إلى الزيادة التي زادها الرازي والآمدي.

الثالث: أنه إذا كانت الممكنات محتاجة إلى خارج عنها ليس بممكن، بل هو واجب الوجود بنفسه، فذلك يمتنع عدمه ويجب وجوده، فكان نفس إثبات واجب الوجود كافيا في أنه يستمر الوجود حال وجود الممكن، لا يحتاج إلى ذلك الواجب.

الرابع: أن ما ذكروه من الممكن يفتقر إلى الواجب، وإنما لا يكون افتقاره إليه مختصا ببعض الأزمنة أن الواجب.

التالي السابق


الخدمات العلمية