صفحة جزء
قال الآمدي: «لكن هذا المسلك مما لا يقوى، وذلك [ ص: 386 ] أنه وإن سلم أن ما يفرض من المقادير والجهات وغيرها ممكنة في أنفسها، وأن ما وقع منها لا بد له من مخصص، لكن إنما يلزم أن يكون الباري حادثا أن لو كان المخصص خارجا عن ذاته ونفسه.

ولعل صاحب هذا القول لا يقول به، وعند ذلك فلا يلزم أن يكون الباري تعالى حادثا ولا محوجا إلى غيره أصلا، فإن قيل: إن ما اقتضاه بذاته ليس هو أولى من غيره لتساوي الجميع بالنسبة إليه في جهة الاقتضاء، فهو نحو الخلاف، ولعل الخصم قد لا يسلم تساوي النسبة في جهة الاقتضاء إلا أن يقدر أنه لا اختلاف بين هذه الممكنات، ولا محالة أن بيان ذلك متعذر جدا، كيف وأنه يحتمل أن ينتهج الخصم في تخصيص هذه الصفات الثابتة للذات منهج أهل الحق في تخصيص سائر الممكنات، وبه درء الإلزام».

ثم استدل على هذه المسألة بما هو أضعف من هذا، وهو أن البناء على ذلك مستلزم لكونه جوهرا، والجواهر متماثلة، وقد عرف ما في هذين الأصلين من المنازعات اللفظية والمعنوية في غير هذا الموضع.

[ ص: 387 ] والآمدي نفسه قد بين بطلان قول من جعل الجواهر متماثلة.

ومما ينبغي أن يعرف في مثل هذه المسائل المنازعات اللفظية، فإن القائل إذا قال: التخصيص يفتقر إلى مخصص، والتقدير إلى مقدر، كان بمنزلة من يقول: التحريك يفتقر إلى محرك، وأمثال ذلك، وهذا لا ريب فيه، فإن التخصيص مصدر: خصص يخصص تخصيصا، وكذلك التقدير والتكليم ونحو ذلك، ومصدر الفعل المتعدي لا بد له من فاعل يتعدى فعله، فإذا قدر مصدر متعد بلا فاعل يتعدى فعله كان متناقضا، بخلاف ما إذا قيل: الاختصاص يفتقر إلى مخصص، والمقدار إلى مقدر .. ونحو ذلك، فإن هذا ليس في الكلام ما يدل عليه، لأن المذكور إما مصدر فعل لازم كالاختصاص ونحوه، أو اسم ليس بمصدر كالمقدار، وكل من هذين ليس في الكلام ما يوجب افتقاره إلى فاعل يتعداه فعله. فإذا قيل: الموصوف الذي له صفة وقدر قد اختص بصفة وقدر، فلا بد له من مخصص، لم يكن في هذا الكلام ما يدل على افتقاره إلى مخصص مباين له يخصصه بذلك، بخلاف ما إذا قيل: إذا خص بصفة أو قدر فلا بد له من مخصص، فإن هذا كلام صحيح.

التالي السابق


الخدمات العلمية