صفحة جزء
قال ابن رشد معترضا على أبي حامد: «التركيب ليس هو [ ص: 400 ] مثل الوجود، لأن التركيب هو مثل التحريك، أعني صفة انفعالية زائدة على ذات الأشياء التي قبلت التركيب، والوجود هو صفة هذه الذات بعينها... وأيضا المركب ليس ينقسم إلى مركب من ذاته ومركب من غيره، فيلزم أن ينتهي الأمر إلى مركب قديم كما ينتهي الأمر في الموجودات إلى موجود قديم. وأيضا فإذا كان الأمر كما قلنا من أن التركيب أمر زائد على الوجود، فلقائل أن يقول: إن كان يوجد مركب من ذاته فسيوجد متحرك من ذاته، وإن وجد متحرك من ذاته فسيوجد المعدوم من ذاته، لأن وجود المعدوم هو خروج ما بالقوة إلى الفعل، وكذلك الأمر في الحركة والمتحرك».

قال: «والفصل في هذه المسألة أن المركب لا يخلو من أن يكون كل واحد من جزأيه أو أجزائه التي تركب منها شرطا في وجود صاحبه بجهتين مختلفتين، أو لا يكون شرطا، أو يكون أحدهما [ ص: 401 ] شرطا في وجود الثاني والثاني ليس شرطا في وجود الأول. فأما الأول فلا يمكن أن يكون قديما، لأن التركيب نفسه شرط في وجود الأجزاء، فلا يمكن أن تكون الأجزاء علة التركيب، ولا التركيب علة نفسه، إلا لو كان الشيء علة نفسه... وأما الثاني إذا لم يكن واحد منهما شرطا في وجود صاحبه، فإن أمثال هذه إذا لم يكن في طباع أحدهما أن يلازم الآخر فإنها ليست تتركب إلا بمركب خارج عنها... وإن كان أحدهما شرطا في وجود الآخر من غير عكس كالحال في الصفة والموصوف الغير جوهرية فإن كان الموصوف قديما ومن شأنه أن لا تفارقه الصفة، فالمركب قديم، وإذا كان هذا هكذا فليس يصح -إن جوز مجوز وجود مركب قديم- أن يبين على طريق الأشعرية أن كل جسم محدث، لأنه إن وجد مركب [ ص: 402 ] قديم وجدت أعراض قديمة: أحدها التركيب، لأنه أصل ما يبنون عليه وجوب حدوث الأعراض، أنه لا تكون الأجزاء التي تركب منها الجسم إلا بعد الافتراق. فإذا جوزوا مركبا قديما أمكن أن يوجد اجتماع لم يتقدمه افتراق، وحركة لم يتقدمها سكون، وإذا جاز هذا أمكن أن يوجد جسم ذو أعراض قديمة، ولم يصح لهم أن ما لا يخلو عن الحوادث حادث».

التالي السابق


الخدمات العلمية