صفحة جزء
[ ص: 425 ] قال: «وأما هل يوجد شيء مركب من ذاته على أصول الفلاسفة، وإن جوزوا أعراضا قديمة، فغير ممكن، وذلك أن التركيب شرط في وجوده، وليس يمكن أن تكون الأجزاء هي فاعلة للتركيب، لأن التركيب شرط في وجودها، وكذلك أجزاء كل مركب من الأمور الطبيعية إذا انحلت لم يكن الاسم المقول عليها إلا بالاشتراك، مثل اسم اليد المقولة على التي هي جزء من الإنسان الحي، واليد المقطوعة، بل كل تركيب عند أرسطوطاليس فهو كائن فاسد، فضلا عن أن يكون لا علة له، وأما هل تفضي الطريقة التي سلكها ابن سينا في واجب الوجود إلى نفي مركب قديم فليس تفضي إلى ذلك، لأنه إذا فرضنا أن الممكن ينتهي إلى علة ضرورية، والضرورية لا يخلو إما أن يكون لها علة أو لا علة لها، وأنها إن كانت لها علة فإنها تنتهي إلى ضروري لا علة له، فإن هذا القول إنما يؤدي من جهة امتناع التسلسل إلى وجود ضروري لا علة له فاعلة، لا إلى موجود [ ص: 426 ] ليس له علة أصلا، لأنه يمكن أن يكون له علة صورية ومادية، إلا أن يوضع أن كل ما له صورة ومادة، وبالجملة، كل مركب، فواجب أن يكون له فاعل خارج عنه. وهذا يحتاج إلى بيان ولم يتضمنه القول المسلوك في شأن واجب الوجود مع ما ذكرنا أن فيه من الاختلال، ولهذا بعينه لا يفضي دليل الأشعرية وهو أن كل حادث له محدث إلى أول قديم ليس بمركب، وإنما يفضي إلى أول ليس بحادث.

قال: «وأما أن يكون العالم والعلم شيئا واحدا فليس ممتنعا، بل واجب أن ينتهي الأمر في أمثال هذه الأشياء إلى أن يتحد المفهوم فيها، وذلك أن العالم إن كان عالما بعلم فالذي به العالم عالم أحرى أن يكون عالما، وذلك أن كل ما استفاد صفة من غيره فتلك الصفة أولى بذلك المعنى المستفاد، مثال ذلك أن هذه الأجسام الحية التي لدينا ليست حية من ذاتها، بل من قبل حياة تحلها، فواجب أن تكون تلك الحياة -التي استفاد منها ما ليس بحي الحياة- حية بذاتها، أو يفضي الأمر فيها إلى غير نهاية، وكذلك يعرض في العلم وسائر الصفات». [ ص: 427 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية