صفحة جزء
وأما قوله: «لأن تركيبه إذا كان واجبا كان واجبا بغيره لا بذاته، لأنه يعسر تقدير مركب قديم من غير أن يكون له مركب».

فيقال له: هذا هو البحث اللفظي الذي ذكرنا هذا لأجله، [ ص: 433 ] والمركب الذي يفتقر إلى مركب هو ما ركبه غيره.
كما أن المحرك الذي يفتقر إلى محرك ما حركه غيره، ولم يقل أحد من العقلاء: إن واجب الوجود مركب ركبه غيره، وأنتم إذا سميتم اجتماع الذات والصفات تركيبا لم تريدوا إلا الاجتماع والتعدد والتألف وكثرة المعاني ونحو ذلك، لم تقصدوا بذلك أن هناك فاعلا لذلك، وإن أردتم ذلك كان باطلا، وبطل اللفظ والمعنى جميعا، فإن أصل الكلام أن الواجب إذا كان ذاتا موصوفة بصفات كان مركبا، فإن أراد المريد: كان له من ركبه من الذات والصفات كان التلازم ممنوعا، بل هو باطل ضرورة، فإنا إذا قدرنا واجب الوجود بنفسه الغني عن الفاعل موصوفا بصفات لازمة له، امتنع أن يكون للواجب بنفسه المستلزم لصفاته من ركب بينه وبين صفاته، فإن كونه واجبا بنفسه يمنع أن يكون له فاعل، وكون صفاته لازمة له يمنع جواز مفارقتها له، ويمنع افتقارها إلى من يجعلها فيه، فكيف يقال: إن له مركبا ركبه، حتى يقال: إن هذا تركيب يفتقر إلى مركب، ويقال: يمتنع ثبوت مركب قديم، أي من ذاته؟ ومن سمى هذا تركيبا وقال: إنه قديم فإنه يقول: هو تركب وتألف واجتماع، ومثل هذا لا يفتقر إلى مركب مؤلف جامع، ولو قيل [ ص: 434 ] على سبيل الفرض: إن الذات المستلزمة للصفات هي الموصوفة بذلك، فليس هنا ما يقتضي افتقارها إلى غيرها.

التالي السابق


الخدمات العلمية