1. الرئيسية
  2. درء تعارض العقل والنقل
  3. كلام الآمدي في أبكار الأفكار في بيان امتناع حلول الحوادث بذاته تبارك وتعالى
صفحة جزء
وعن هذا قالت المعتزلة : إن القرآن مخلوق ، لأنه لو قام بذاته للزم أن تقوم به الأفعال والصفات ، وأطبق السلف والأئمة على إنكار هذا عليهم .

[ ص: 25 ] وكل من خالفهم قبل ابن كلاب كان يقول بقيام الصفات والأقوال والأفعال المتعلقة بمشيئته وقدرته به ، لكن ابن كلاب ومتبعوه فرقوا بين ما يلزم الذات من أعيان الصفات كالحياة والعلم ، وبين ما يتعلق بالمشيئة والقدرة ، فقالوا هذا لا يقوم بذاته ، لأن ذلك يستلزم تعاقب الحوادث عليه كما سيأتي .

وابن كرام كان متأخرا بعد محنة الإمام أحمد بن حنبل وتوفي ابن كرام في حدود ستين ومائتين ، فكان بعد ابن كلاب بمدة ، وكان أكثر أهل القبلة قبله على مخالفة المعتزلة والكلابية ، حتى طوائف أهل الكلام من الشيعة والمرجئة كالهشامية وأصحاب أبي معاذ التومني وزهير الأثري وغيرهما ، كما ذكر ذلك عنهم الأشعري في المقالات .

وأمثال هؤلاء كانوا يقولون بقيام الحوادث به ، حتى صرح طوائف منهم بالحركة ، كما صرح بذلك طوائف من أئمة الحديث والسنة ، وصرحوا بأنه لم يزل متكلما إذا شاء ، وأن الحركة من لوازم الحياة ، وأمثال ذلك . بل هم يقولون : إنه إنما ابتدع من ابتدع من أهل الكلام البدع المخالفة للنصوص وللمعقول بهذا الأصل ، كقول من قال : إن الكلام معنى واحد قديم ، وقول من قال : إن المعدوم يرى ويسمع ، وقول من قال بقدم صوت معين .

وأما غير أهل الملل فالفلاسفة متنازعون في هذا الأصل ، والمحكي عن كثير من أساطينهم القدماء أنه كان يقول بذلك ، كما تقدم نقل "المقالات" عنهم ، حتى صرح بالحركة من صرح منهم ، بل الذين [ ص: 26 ] كانوا قبل أرسطو من الأساطين ، كانوا يقولون بحدوث العالم عن أسباب حادثة ، وهم يقولون بهذا الأصل : إما تصريحا ، وإما لزوما . وكذلك غير واحد من متأخريهم كأبي البركات البغدادي صاحب "المعتبر" ، وهذا اختيار طائفة من النظار كالأثير الأبهري وغيره .

وما حكاه عن أبي الحسين البصري فهو قول غير واحد قبل أبي الحسين وبعده ، كهشام [ونحوه] وغيره . وابن عقيل يختار قول أبي الحسين ، وهو معنى قول السلف ، والرازي يميل إلى قول أبي الحسين ، بل وإلى زيادة على قوله ، كما ذكره في "المطالب العالية"، بل ينصره . وقوله عن الكرامية إنهم قالوا : أسماؤه كلها أزلية ، أي معاني أسمائه ، أي ما لأجله استحق تلك الأسماء ، كالخالقية والرازقية .

وأما نفس الاسم فهو من كلامه ، وكلامه عندهم حادث قائم بذاته ، ويمتنع عندهم أن يكون في الأزل كلام أو أسماء ، لأن ذلك يقتضي حوادث لا أول لها ، أو يقتضي قدم القول المعين ، وكلاهما باطل عندهم .

وحكايته عن الكرامية أنهم يقولون : خلق الإرادة والقول في ذاته مستند إلى القدرة القديمة ، وخلق ما في المخلوقات يستند إلى [ ص: 27 ] الإرادة والقول ، تعبير عن مذهبهم بعبارته ، وإلا فهم لا يسمون شيئا مما يقوم بذات الرب لا مخلوقا ولا محدثا ، وإنما يقولون : "حادث" ، ولا يقولون : إن إرادته وكلامه لا مخلوق ولا محدث .

التالي السابق


الخدمات العلمية