صفحة جزء
وأما جمهور الفلاسفة، مع عامة أصناف المشركين من الهند والعرب وغيرهم، ومع المجوس وغيرهم، ومع أهل الكتاب وغيرهم، فهم متفقون على أن السماوات والأرض وما بينهما محدث مخلوق بعد أن لم يكن، ولكن تنازعوا في مادة ذلك، [ ص: 123 ] هل هي موجودة قبل هذا العالم؟ وهل كان قبله مدة ومادة، أم هو أبدع ابتداء من غير تقدم مدة ولا مادة؟

فالذي جاء به القرآن والتوراة، واتفق عليه سلف الأمة وأئمتها مع أئمة أهل الكتاب: أن هذا العالم خلقه الله وأحدثه من مادة كانت مخلوقة قبله، كما أخبر في القرآن أنه: استوى إلى السماء وهي دخان أي: بخار فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها [فصلت: 11] ، وقد كان قبل ذلك مخلوق غيره كالعرش والماء، كما قال تعالى: وهو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام وكان عرشه على الماء [هود: 7] وخلق ذلك في مدة غير مقدار حركة الشمس والقمر، كما أخبر أنه خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام.

والشمس والقمر هما من السماوات والأرض، وحركتهما بعد خلقهما، والزمان المقدر بحركتهما - وهو الليل والنهار التابعان لحركتهما - إنما حدث بعد خلقهما، وقد أخبر الله أن خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام، فتلك الأيام مدة وزمان مقدر بحركة أخرى غير حركة الشمس والقمر.

وهذا مذهب جماهير الفلاسفة الذين يقولون: إن هذا العالم مخلوق محدث، وله مادة متقدمة عليه، لكن حكي عن بعضهم أن تلك المادة المعنية قديمة أزلية، وهذا أيضا باطل، كما قد بسط في غير هذا الموضع، فإن المقصود هنا إشارة مختصرة إلى قول من يقول: إن أقوال هؤلاء دل عليها السمع.

التالي السابق


الخدمات العلمية