صفحة جزء
وأيضا فيقال: القول في استلزام الذات لقدرها الذي لم يقدره المشركون ، كما قال تعالى : وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون [سورة الزمر 67] كاستلزام الذات لسائر صفاتها من العلم والقدرة والحياة ، فإنه لو كان مختص يحتاج إلى مخصص لزم الدور أو التسلسل الباطلان فلا بد من مختص بما يختص به يختص بذلك لنفسه وذاته، لا لأمر مباين له .

وهذا هو حقيقة الواجب لنفسه المستلزم لجميع نعوته من غير افتقار إلى غير نفسه ، مع أن ما ذكره في وجوب تناهي الأبعاد قد أبطل فيه مسالك الناس كلها ، وأنشأ مسلكا ذكر أنه لم يسبقه إليه أحد وإذا حرر الأمر عليه وعليهم في تلك المسالك كان القدح فيها أقوى من مسالكهم [في النفي] ، فلو قدر أن اثنين أثبت أحدهما موجودا قائما بنفسه لا يتناهى، وأثبت الآخر موجودا لا يكون متناهيا ولا غير [ ص: 206 ] متناه، كان قول الثاني أفسد، والأول أقرب إلى الصواب، وما من مقدمة يدعون بها إفساد قول الأول إلا وفي أقوالهم ما هو أفسد منها .

والمناظرة تارة تكون بين الحق والباطل ، وتارة بين القولين الباطلين لتبيين بطلانهما ، أو بطلان أحدهما، أو كون أحدهما أشد بطلانا من الآخر ، فإن هذا ينتفع به كثيرا في أقوال أهل الكلام والفلسفة وأمثالهم ، ممن يقول أحدهم القول الفاسد وينكر على منازعه ما هو أقرب منه إلى الصواب، فيبين أن قول منازعه أحق بالصحة إن كان قوله صحيحا ، وأن قوله أحق بالفساد إن كان قول منازعه فاسدا، لتنقطع بذلك حجة الباطل ، فإن هذا أمر مهم ، إذ كان المبطلون يعارضون نصوص الكتاب والسنة بأقوالهم، فإن بيان فسادها أحد ركني الحق وأحد المطلوبين ، فإن هؤلاء لو تركوا نصوص الأنبياء لهدت وكفت، ولكن صالوا عليها صول المحاربين لله ولرسوله، فإذا دفع صيالهم وبين ضلالهم كان ذلك من أعظم الجهاد في سبيل الله .

وقد حكى الأشعري وغيره عن طوائف أنهم يقولون : إنه لا يتناهى، وهؤلاء نوعان : نوع يقول : هو جسم ، ونوع يقول: ليس بجسم، فإذا أراد النفاة أن يبطلوا قول هؤلاء لم يمكنهم ذلك، فإنهم إذا قالوا : يلزم أن يخالط القاذورات والأجسام ، قالوا : كما أثبتم موجودا لا يشار إليه ، ولا هو داخل ولا خارج ، فنحن نثبت موجودا هو داخل [ ص: 207 ] ولا يخالط غيره. فإذا قالوا: هذا لا يعقل. قالوا : وذلك لا يعقل .

التالي السابق


الخدمات العلمية