صفحة جزء
الوجه الثاني: أن يقال : أنت أيضا قد بينت في الكلام على إثبات وحدانية الله تعالى فساد هذه الطريقة التي سلكها ابن سينا وغيره من الفلاسفة التي أحلت عليها هنا . وذلك أنه قال:"الفصل الثاني في امتناع وجود إلهين لكل واحد منهما من صفات الإلهية ما للآخر . وقد احتج النافون للشركة بمسالك ضعيفة : المسلك الأول : وهو ما ذكره الفلاسفة ، وذلك أنهم قالوا: لو قدر وجود واجبين كل [ ص: 249 ] واحد منهما واجب لذاته ، فلا يخلو : إما أن يقال باتفاقهما من كل وجه ، أو باختلافهما من كل وجه ، أو باتفاقهما من وجه دون وجه ، فإن كان الأول فلا تعدد في مسمى واجب الوجود ، إذ التعدد والتغاير دون مميز محال ، وإن كان الثاني فما اشتركا في وجوب الوجود ، وإن كان الثالث فما به الاشتراك غير ما به الافتراق ، وما به الاشتراك إن لم يكن هو وجوب الوجود فليسا بواجبين ، بل أحدهما دون الآخر ، وإن كان الاشتراك بوجوب الوجود فهو ممتنع لوجهين : الأول : هو أن ما به الاشتراك من وجوب الوجود : إما أن يتم تحققه في كل واحد من الواجبين بدون ما به الافتراق أو لا يتم دونه ، فإن كان الأول فهو محال ، وإلا كان المعنى المشترك المطلق متحققا في الأعيان من غير مخصص ، وهو محال. وإن كان الثاني كان وجوب الوجود ممكنا لافتقاره في تحققه إلى غيره ، فالموصوف به ، وهو ما قيل بوجوب وجوده به ، أولى أن يكون ممكنا.الوجه الثاني : أن مسمى واجب الوجود إذا كان مركبا من أمرين ، وهو وجوب الوجود المشترك ، وما به الافتراق ، فيكون مفتقرا في وجوده إلى كل واحد من مفرديه، وكل [ ص: 250 ] واحد من المفردين مغاير للجملة المركبة منهما ، ولهذا يتصور تعقل كل أحد من الأفراد مع الجهل بالمركب منها ، والمعلوم غير المجهول ، وكل ما كان مفتقرا إلى غيره في وجوده إلى غيره ممكنا لا واجبا لذاته ، إذ لا معنى لواجب الوجود لذاته إلا ما لا يفتقر في وجوده إلى غيره ، وهذه المحالات إنما لزمت من القول بتعدد واجب الوجود لذاته فيكون محالا" .

قال : "وربما استروح بعض الأصحاب في إثبات الوحدانية إلى هذا المسلك أيضا، وهو ضعيف. إذ لقائل أن يقول : وإن سلمنا الاتفاق بينهما من وجه، والافتراق من وجه، وأن ما به الاتفاق هو وجوب الوجود ، ولكن لم قلتم بالامتناع ؟ وما ذكرتموه في الوجه الأول إنما يلزم أن لو كان مسمى وجوب الوجود معنى وجوديا، وأما بتقدير أن يكون أمرا سلبيا ومعنى عدميا ، وهو عدم افتقار الوجود إلى علة خارجة فلا، فلم قلتم بكونه أمرا وجوديا؟" .

ثم بسط الكلام في كونه عدميا بما ليس هذا موضع الكلام فيه . [ ص: 251 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية