صفحة جزء
وإذا كان الأمر كذلك فإذا علم الإنسان بالعقل أن هذا رسول الله، وعلم أنه أخبر بشيء، ووجد في عقله ما ينازعه في خبره، كان عقله يوجب عليه أن يسلم موارد النزاع إلى من هو أعلم به منه، وأن لا يقدم رأيه على قوله، ويعلم أن عقله قاصر بالنسبة إليه، وأنه أعلم بالله تعالى وأسمائه وصفاته واليوم الآخر منه، وأن التفاوت الذي بينهما في العلم بذلك أعظم من التفاوت الذي بين العامة وأهل العلم بالطب.

فإذا كان عقله يوجب أن ينقاد لطبيب يهودي فيما أخبره به من مقدرات من الأغذية والأشربة والأضمدة والمسهلات، واستعمالها على وجه مخصوص، مع ما في ذلك من الكلفة والألم، لظنه أن هذا أعلم بهذا مني، وأني إذا صدقته كان ذلك أقرب إلى حصول الشفاء لي، مع علمه بأن الطبيب يخطئ كثيرا، وأن كثيرا من الناس لا يشفى بما يصفه الطبيب، بل قد يكون استعماله لما يصفه سببا في هلاكه، ومع هذا فهو يقبل قوله ويقلده، وإن كان ظنه واجتهاده يخالف وصفه، فكيف حال الخلق مع الرسل عليهم الصلاة والسلام؟!. [ ص: 142 ]

والرسل صادقون مصدوقون لا يجوز أن يكون خبرهم على خلاف ما أخبروا به قط، والذين يعارضون أقوالهم بعقولهم عندهم من الجهل والضلال ما لا يحصيه إلا ذو الجلال، فكيف يجوز أن يعارض ما لم يخطئ قط بما لم يصب في معارضته له قط؟

التالي السابق


الخدمات العلمية