صفحة جزء
ثم هم مع هذا التناقض موافقون في المعنى للملاحدة، فإنهم إذا جعلوا أسماء الله تعالى كالحي والعليم والقدير والموجود ونحو ذلك مشتركة اشتراكا لفظيا، لم يفهم منها شيء إذا سمي بها الله، إلا أن يعرف ما هو ذلك المعنى الذي يدل عليه إذا سمي بها الله، لا سيما إذا كان المعنى المفهوم منها عند الإطلاق ليس هو المراد إذا سمي بها الله.

ومعلوم أن اللفظ المفرد إذا سمي به مسمى لم يعرف معناه حتى يتصور المعنى أولا، ثم يعلم أن اللفظ دال عليه، فإذا كان اللفظ مشتركا، فالمعنى الذي وضع له في حق الله لم نعرفه بوجه من الوجوه، فلا يفهم من أسماء الله الحسنى معنى أصلا، ولا يكون فرق بين قولنا: حي، وبين قولنا: ميت، ولا بين قولنا: موجود، وبين قولنا: معدوم، ولا بين قولنا: عليم، وبين قولنا: جهول، أو (ديز) أو (كجز) بل يكون بمنزلة ألفاظ أعجمية سمعناها ولا نعلم مسماها، أو ألفاظ مهملة لا تدل على معنى، كديز وكجز ونحو ذلك.

ومعلوم أن الملاحدة يكفيهم هذا، فإنهم لا يمنعون إطلاق اللفظ إذا تظاهروا بالشرع، وإنما يمنعون منه أن نفهم معنى. [ ص: 327 ]

وسبب هذا الضلال أن لفظ (التشبيه) و (التركيب) لفظ فيه إجمال. وهؤلاء أنفسهم - هم وجماهير العقلاء - يعلمون أن ما من شيئين إلا وبينهما قدر مشترك، ونفي ذلك القدر المشترك ليس هو نفس التمثيل والتشبيه الذي قام الدليل العقلي والسمعي على نفيه، وإنما التشبيه الذي قام الدليل على نفيه ما يستلزم ثبوت شيء من خصائص المخلوقين لله سبحانه وتعالى، إذ هو سبحانه: ليس كمثله شيء [سورة الشورى: 11]، لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله.

ولهذا اتفق جميع طوائف المسلمين وغيرهم على الرد على هؤلاء الملاحدة، وبيان أنه ليس كل ما اتفق شيئان في شيء من الأشياء، يجب أن يكون أحدهما مثلا للآخر، ولا يجوز أن ينفى عن الخالق سبحانه كل ما يكون فيه موافقة لغيره في معنى ما، فإنه يلزمه عدمه بالكلية، كما فعله هؤلاء الملاحدة، بل يلزم نفي وجوده ونفي عدمه، وهو غاية التناقض والإلحاد والكفر والجهل.

التالي السابق


الخدمات العلمية