بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية

ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

صفحة جزء
قلت: أما قول القاضي: على غير وجه الاتصال والمماسة، وغير ذلك، ففيه نزاع يذكر في غير هذا الموضع.

وأما [ما ذكره] عن شيخه أبي عبد الله بن حامد، فقد قال ابن حامد في (كتابه): فصل: ومما يجب التصديق به أن لله حقوا. قال المروذي قرأت على أبي عبد الله كتابا، فنظر فيه، فإذا فيه ذكر حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم "أن الله خلق الرحم، حتى إذا فرغ منها أخذت بحقو الرحمن" فرفع المحدث رأسه وقال: أخاف أن تكون قد كفرت. قال أبو عبد الله: هذا جهمي. وقال أبو طالب: سمعت أبا عبد الله يسأل عن حديث هشام بن عمار أنه قرئ عليه حديث [ ص: 211 ] "الرحم تجيء يوم القيامة فتتعلق بالرحمن تعالى" فقال: أخاف أن تكون قد كفرت. فقال: هذا شامي، ما له ولهذا؟!.

قلت: ما تقول؟ قال: يمضي كل حديث على ما جاء. وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الرحم شجنة -يعني لها تعلق تقرب- من الرحمن تعالى، تتعلق بحقو الرحمن تعالى، تقول: اللهم صل من وصلني، واقطع من قطعني". قال: فقال أحمد في الحديث في كنفه، قيل له: [ ص: 212 ] قول النبي صلى الله عليه وسلم: "يضع عليه كنفه" قال: هكذا يقول بيديه. وهذه أحاديث مأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم في الرحم، والحقو، وأنه يضع كنفه على عبده.

ومثل ذلك -أيضا- ما رواه عنه أبو علي الصانع، من أصحاب إدريس الحداد المقري، قال: سمعت عمران النجار يقول: سمعت أحمد بن حنبل يقول- وسألته: ثم إذا دعاكم دعوة من الأرض [الروم: 25]، فمن قال إن دعوة الله مخلوقة فقد كفر. قال: فجملة هذه المسائل مذهب إمامنا فيها: الإيمان والتصديق بها، والتسليم والرضا، وأن الله يضع كنفه على عبده تقريبا له، إلى أن يضع كنفه عليه. وذلك صفة ذاته لا يدرى ما التكييف فيها، ولا ماذا صفتها. وكذلك في الرحم تأخذ بحقو [ ص: 213 ] الرحمن، صفة ذاته لا يدرى ما التكييف فيها، ولا ماذا صفتها، وكذلك [دعوة] الله لعباده وهم في الأرض أموات بالخروج منها فيخرجون، كل ذلك صفات ذاته من غير تكييف ولا تشبيه. قال: فأما الحديث في الرحم، والحقو، فحديث صحيح، ذكره البخاري، وقد سئل إمامنا عنه فأثبته، وقال: يمضي الحديث كما جاء.

وأما الحديث في كنفه، فهو حديث ثابت، رواه الأئمة: أحمد بن حنبل، وابن معين، وابن المديني، [ ص: 214 ] ووكيع: أن الله يدني عبده يوم القيامة، يقول أدنه أدنه، حتى يضع كنفه عليه، فيقول: أتذكر كذا؟ أتذكر كذا؟.

التالي السابق


الخدمات العلمية