بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية

ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

صفحة جزء
ثم قال ابن حامد: فصل: ومما يجب الإيمان به والتصديق: ما ورد في الأخبار من المماسة والقرب من الحق سبحانه لنبيه عليه الصلاة والسلام، وقد اعتمد أصحابنا في ذلك على جواب أبي عبد الله في هذا: في المقام المحمود.

فقال أبو بكر بن صدقة: ذكر الحديث عند أبي عبد الله، فقال: [فاتني] عن ابن فضيل، وجعل يتلهف. [ ص: 215 ] وقال عبد الله: قال أبي: ما وقع لي بعلو، وجعل كأنه يتلهف، إذ لم يقع [له] بعلو. وهو حديث أحمد بن حنبل عن ابن فضيل، عن ليث، عن [ ص: 215 ] مجاهد عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا [الإسراء: 79]، قال: يقعده معه على العرش، فيطلق ذلك كما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم. ويجوز أن يكون مقاما مخصوصا لمقعد النبي صلى الله عليه وسلم. ويشهد لذلك: ما رواه الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله كتب كتابا بيده، قبل أن يخلق [ ص: 217 ] السموات والأرض، وهو معه على العرش: إن رحمتي تغلب غضبي" وأحمد بن حنبل قال: حدثنا عبد الرزاق، قال: حدثنا معمر، عن همام بن منبه، قال: هذا ما حدثنا [ ص: 218 ] أبو هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لما قضى الله -يعني الخلق- كتب كتابا هو عنده فوق العرش: إن رحمتي غلبت غضبي".

قال ابن حامد وقد ذكر في كتاب (السنة) أخبارا عن الصحابة في (الدنو) فروى عن محمد بن بشر، قال: حدثنا [ ص: 219 ] عبد الرحمن بن [شريك] عن أبيه، حدثني [عبد العزيز بن رفيع]، وسالم الأفطس، عن سعيد بن جبير قال: "إذا [ ص: 220 ] نظر داود إلى خطيئته ولى هاربا، فيناديه الله عز وجل: يا داود، ادن مني، فلا يزال يدنيه حتى يمس بعضه" ورواه وكيع عن سفيان عن منصور وعن مجاهد، عن عبيد ابن عمير وإن له عندنا لزلفى [ص: 25] قال: ذكر الدنو حتى يمس بعضه.

قال: وقد روي أشد من هذا عن مجاهد، فرووا من [ ص: 221 ] طريق الحديث الأول، قال: حدثني إبراهيم بن مهاجر، وليث بن أبي سليم، قالا: حدثنا مجاهد قال: "إذا كان يوم القيامة، ذكر داود ذنبه، فيقول الله تعالى: كن أمامي، فيقول: ذنبي ذنبي، فيقول الله عز وجل: كن خلفي، فيقول: ذنبي ذنبي، فيقول الله عز وجل: خذ بقدمي". وبالإسناد حدثني أبو يحيى القتات، وإسماعيل بن عبد الرحمن السدي، عن [ ص: 222 ] أبي مالك عن ابن عباس في قوله تعالى: وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب [ص: 25]، قال: "يدنو منه حتى يقول الله عز وجل: خذ بقدمي".

قال ابن حامد: وهذا كله يقطع به كما جاءت به الأخبار.

والمقصود هنا: أن هذا الحديث في الجملة من أحاديث الصفات، التي نص الأئمة على أنه يمر كما جاء، وردوا على من نفى موجبه.

التالي السابق


الخدمات العلمية