بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية

ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

صفحة جزء
المثال الثالث: قوله تأويل أحاديث الضحك: "واعلم أن حقيقة الضحك على الله عز وجل محال، ويدل على ذلك وجوه:

الأول: قوله تعالى: وأنه هو أضحك وأبكى [النجم: 43] فبين أن اللائق به أن يضحك ويبكي، فأما الضحك والبكاء، فلا يليقان به" وقال: "لو جاز الضحك عليه، لجاز البكاء عليه، وقد [ ص: 324 ] التزمه بعض الحمقى".

قال: "والضحك إنما يتولد من التعجب، والتعجب: حالة تحصل للإنسان عند الجهل بالسبب، وذلك في حق عالم الغيب والشهادة محال".

إلى أن قال: "إذا ثبت هذا فنقول: وجه التأويل فيه من وجوه:

أحدها: أن المصدر كما يحسن إضافته إلى المفعول، فكذلك يحسن إضافته إلى الفاعل، فقوله: "ضحكت من ضحك الرب" أي من الضحك الحاصل في ذاتي، بسبب أن الرب خلق ذلك الضحك.

الثاني: أن يكون المراد أنه تعالى لو كان ممن يضحك كالملوك كان هذا القول مضحكا [له]"

ذكر هذا التأويل بعد أن ذكر لفظ الحديث الذي في [ ص: 325 ] (الصحيح) وعزاه إلى (شرح السنة) عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم في صفة من أخرجه الله تعالى بفضله من النار، قال: "فيسمع أصوات أهل الجنة فيقول: أي رب أدخلنيها، فيقول الله تعالى: يا ابن آدم! أيرضيك أن أعطيك الدنيا؟ [قال]: فيقول: أي رب أتهزأ بي وأنت رب العالمين؟" فضحك ابن مسعود، وقال: ألا تسألوني مم أضحك؟ فقالوا: لم تضحك؟ فقال: هكذا ضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقالوا: ولم تضحك يا رسول الله؟ قال: من ضحك رب العالمين، حين قال: أتهزأ [ ص: 326 ] بي وأنت رب العالمين، فيقول الله تعالى: إني لا أستهزئ بك وأنا على ما أشاء قدير".

وذكر من (شرح السنة) حديث أبي هريرة الذي في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم -وهو طويل- قال فيه: "ثم قال: يا رب أدخلني الجنة. فيقول الله تعالى: أولست قد زعمت أن لا تسألني غيره؟! ويلك يا ابن آدم، ما أغدرك. فيقول: يا رب لا تجعلني أشقى خلقك، فلا يزال يدعو حتى ضحك، فإذا ضحك الله منه أذن له بدخول الجنة".

التالي السابق


الخدمات العلمية