بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية

ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

صفحة جزء
والكلام على ذلك أن يقال: أما هذا الخبر -في الجملة- فهو متواتر عند أهل العلم بالحديث ورواته من التابعين وأتباعهم من أجل الأمة قدرا في العلم والدين، وهو معروف عن عدد من الصحابة، فهو في الصحيحين من حديث أبي هريرة وأبي سعيد مجتمعين، ومن حديث أبي سعيد مفردا، وهو أيضا في صحيح مسلم من حديث جابر، وهو في المسانيد من حديث ابن [ ص: 7 ] مسعود وأبي موسى، وقد جمع الحافظ أبو الحسن الدارقطني [ ص: 8 ] كثيرا من طرقه في كتاب "الرؤية" له، وهو حديث طويل في وصف ما يكون في القيامة من تجلي الله لعباده وخطابه لهم ومرورهم على الصراط وخروج أهل التوحيد من النار، وهو مشتمل على جمل من أصول أهل السنة التي يكذب بها طوائف من أهل الأهواء والخوارج والمعتزلة [ ص: 9 ] والجهمية والقرامطة [ ص: 10 ] والباطنية. مثل الإتيان، والرؤية، والصراط، وخروج أهل الكبائر من النار، وغير ذلك مما يدخل في باب الإيمان بالله واليوم الآخر، مما يكذب به الجهمية والخوارج ومن اتبع الطائفتين من المعتزلة ونحوهم.

وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يحدث به مرارا، وكذلك أصحابه من بعده، كما جاء ذلك مصرحا به في حديث ابن مسعود على ما سنذكره -إن شاء الله تعالى، وبذلك تتبين فوائد جليلة وجواب على إشكالات، كما سننبه عليه إن شاء الله تعالى.

روى البخاري [ ص: 11 ] ومسلم في الصحيحين من حديث أبي اليمان عن شعيب عن الزهري قال: أخبرني سعيد بن المسيب وعطاء بن [ ص: 12 ] يزيد الليثي أن أبا هريرة أخبرهما..

ومن حديث إبراهيم بن سعد عن الزهري عن عطاء بن يزيد الليثي، أن أبا هريرة أخبره أن الناس قالوا: للنبي صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله، هل نرى ربنا يوم القيامة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هل تضارون في القمر ليلة البدر؟ قالوا: لا يا رسول الله، قال: [ ص: 13 ] هل تضارون في الشمس ليس دونها سحاب؟ قالوا: لا يا رسول الله، قال: فإنكم ترونه كذلك، يجمع الله الناس يوم القيامة فيقول: من كان يعبد شيئا فليتبعه، فيتبع من كان يعبد الشمس الشمس، ويتبع من كان يعبد القمر القمر، ويتبع من كان يعبد الطواغيت الطواغيت، وتبقى هذه الأمة فيها منافقوها، فيأتيهم الله تبارك وتعالى في صورة غير صورته التي يعرفون، فيقول: أنا ربكم، فيقولون: نعوذ بالله منك، هذا مكاننا حتى يأتينا ربنا، فإذا جاء ربنا عرفناه، فيأتيهم الله عز وجل في صورته التي يعرفون، فيقول: أنا ربكم، فيقولون: أنت ربنا، فيتبعونه ويضرب الصراط بين ظهري جهنم، فأكون أنا وأمتي أول من [ ص: 14 ] يجيزها. ولا يتكلم يومئذ إلا الرسل، ودعوى الرسل يومئذ: اللهم سلم سلم، وفي جهنم كلاليب مثل شوك السعدان، هل رأيتم شوك السعدان؟ قالوا: نعم يا رسول الله، قال: فإنها مثل شوك السعدان غير أنه لا يعلم قدر عظمها إلا الله، تخطف الناس بأعمالهم، فمنهم الموثوق بعمله [ ص: 15 ] ومنهم المخردل أو المجازى أو نحوه، لم يتحد لفظ البخاري في رواية إبراهيم بن سعد ولفظ مسلم مطلقا، ومنهم المجازى حتى ينجى، حتى إذا فرغ الله من القضاء بين عباده وأراد أن يخرج برحمته من أراد من أهل النار أمر الملائكة أن يخرجوا من النار من كان لا يشرك بالله فيعرفونهم في النار بأثر السجود، تأكل النار ابن آدم إلا أثر السجود، وفي لفظ: تأكل النار من ابن آدم إلا أثر السجود، حرم الله على النار أن تأكل أثر السجود، فيخرجون من النار قد [ ص: 16 ] امتحشوا، فيصب عليهم ماء الحياة فينبتون كما تنبت الحبة في حميل السيل، ثم يفرغ الله تعالى من القضاء بين العباد ويبقى رجل مقبل بوجهه على النار وهو آخر أهل النار دخولا الجنة فيقول: أي رب اصرف وجهي عن النار فإنه قد قشبني ريحها وأحرقني ذكاؤها فيدعو الله ما شاء [ ص: 17 ] أن يدعوه ثم يقول الله تعالى: هل عسيت إن أعطيتك ذلك أن تسألني غيره فيقول: لا وعزتك لا أسألك غيره، ويعطي ربه من عهود ومواثيق ما شاء الله، فيصرف الله وجهه عن النار، فإذا أقبل على الجنة ورآها سكت ما شاء الله أن يسكت ثم يقول: أي رب قدمني إلى باب الجنة، فيقول الله له: ألست قد أعطيت عهودك ومواثيقك ألا تسألني غير الذي أعطيت أبدا، ويلك يا ابن آدم ما أغدرك! فيقول: أي رب، ويدعو الله حتى يقول هل عسيت إن أعطيتك ذلك أن تسألني غيره؟ فيقول: لا وعزتك لا أسألك غيره، ويعطي ربه ما شاء من عهود ومواثيق، فيقدمه إلى باب الجنة، فإذا قام على باب الجنة انفهقت له الجنة فرأى ما فيها [ ص: 18 ] من الحبرة والسرور، فيسكت ما شاء أن يسكت ثم يقول: أي رب أدخلني الجنة، فيقول الله: ألست قد أعطيت عهودك ومواثيقك ألا تسأل غير ما أعطيت؟ ويلك يا ابن آدم، ما أغدرك! فيقول: أي رب لا أكون أشقى خلقك، فلا يزال يدعو الله حتى يضحك الله تعالى منه، فإذا ضحك منه قال له ادخل الجنة، فإذا دخلها قال الله له: تمنه، فيسأل ربه ويتمنى حتى إن الله ليذكره من كذا وكذا، حتى إذا انقطعت به الأماني قال الله: ذلك لك ومثله معه، قال عطاء بن يزيد الليثي: وأبو سعيد الخدري مع أبي هريرة لا يرد عليه من حديثه شيئا، حتى إذا حدث أبو هريرة أن الله تبارك وتعالى قال: ذلك لك ومثله معه.

قال أبو سعيد الخدري: وعشرة أمثاله معه يا أبا هريرة، قال أبو هريرة: ما حفظت إلا قوله: ذلك لك ومثله معه، قال أبو سعيد الخدري: أشهد أني حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله: [ ص: 19 ] ذلك لك وعشرة أمثاله. قال أبو هريرة: فذلك الرجل آخر أهل الجنة دخولا الجنة.

وهذا الحديث من أجل حديث كان عند ابن شهاب الزهري أعلم الأمة بالسنة في زمانه وأحفظهم للعلم وأتقنهم له، وكان قد سمعه من سعيد بن المسيب أعلم الأمة وأجلها في زمان كبار التابعين، وسمعه أيضا من عطاء بن يزيد الليثي أحد أجلاء [ ص: 20 ] التابعين، عن أبي هريرة وأبي سعيد أيضا، فكان يحدث به ابن شهاب الزهري عن أحدهما تارة وتارة عنهما جميعا كما جرت عادة الزهري، فإنه لسعة علمه يكون الحديث عنده عن عدد من كبار التابعين فيحدث به تارة عن هذا وتارة عن هذا، وهذا معروف للزهري في مواضع كثيرة من الصحيح.

والبخاري رواه في الصحيح مرات، لكنه رواه تارة في صفة القيامة من حديث شعيب ومن حديث معمر تاما لأنه موضع سياقه تاما. ولفظ الصورة كما تقدم، وكما رواه مسلم من حديث شعيب وإبراهيم بن سعد.

ورواه البخاري في فضل السجود من حديث شعيب أيضا، فلم يذكر ذلك لأن مقصوده في ذلك الموضع يحصل [ ص: 21 ] بدون ذلك، فلم يحتج إلى ذكر الألفاظ التي تروى تارة وتكتم تارة عن بعض الناس.

وذكره في رواية إبراهيم بن سعد قال: فيأتيهم الله فيقول: أنا ربكم فيقولون: هذا مكاننا حتى يأتينا ربنا، فإذا جاء ربنا عرفناه، فيأتيهم الله في صورته التي يعرفون.

وأخرجاه أيضا من حديث عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري قال قلنا يا رسول الله، هل نرى ربنا يوم القيامة؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم، فهل تضارون في رؤية الشمس بالظهيرة صحوا ليس فيها سحاب؟ قالوا: لا. قال النبي صلى الله عليه وسلم: وهل تضارون في رؤية القمر ليلة البدر صحوا ليس فيها سحاب؟ قالوا: لا. قال النبي صلى الله عليه وسلم: ما تضارون في رؤية الله تبارك وتعالى [ ص: 22 ] يوم القيامة إلا كما تضارون في رؤية أحدهما. إذا كان يوم القيامة أذن مؤذن: لتتبع كل أمة ما كانت تعبد، فلا يبقى أحد كان يعبد غير الله سبحانه من الأصنام والأنصاب إلا يتساقطون في النار، حتى إذا لم يبق إلا من كان يعبد الله من بر وفاجر وغبرات أهل الكتاب، فيدعى اليهود فيقال: ما كنتم تعبدون؟ قالوا: كنا نعبد عزيرا ابن الله، فيقال: : [ ص: 23 ] ما اتخذ الله من صاحبة ولا ولد، فماذا تبغون؟ فيقولون: عطشنا يا ربنا فاسقنا، فيشار إليهم ألا تردون، فيحشرون إلى النار كأنها سراب يحطم بعضها بعضا، فيتساقطون في النار.

ثم يدعى النصارى فيقال لهم: ما كنتم تعبدون؟ قالوا: كنا نعبد المسيح ابن الله، فيقال لهم: :، ما اتخذ الله من صاحبة ولا ولد، فيقال لهم: ماذا تبغون فيقولون: عطشنا يا ربنا، فاسقنا، فيشار إليهم ألا تردون، فيحشرون إلى جهنم كأنها سراب يحطم بعضها بعضا، فيتساقطون في النار حتى إذا لم يبق إلا من كان يعبد الله تعالى من بر وفاجر أتاهم الله تعالى في أدنى صورة من التي رأوه فيها.

قال: فما تنتظرون؟ لتتبع كل أمة ما كانت تعبد، قالوا: [ ص: 24 ] يا ربنا، فارقنا الناس في الدنيا أفقر ما كنا إليهم ولم نصاحبهم، ونحن ننتظر ربنا الذي كنا نعبد، فيقول: أنا ربكم، فيقولون: نعوذ بالله منك، لا نشرك بالله شيئا، مرتين أو ثلاثا، حتى إن بعضهم ليكاد أن ينقلب، فيقول: هل بينكم وبينه آية فتعرفونه بها؟ فيقولون: نعم، فيكشف عن ساق فلا يبقى من كان يسجد لله من تلقاء نفسه إلا أذن الله له بالسجود. ولا يبقى من كان يسجد اتقاء ورياء إلا جعل الله ظهره طبقة واحدة، كلما أراد أن يسجد خر على قفاه، ثم يرفعون رؤوسهم وقد تحول في صورته التي رأوه فيها أول مرة [ ص: 25 ] فيقول: أنا ربكم، فيقولون: أنت ربنا، ثم يضرب الجسر على جهنم،
وفي رواية أخرى وهي في البخاري: ... ينادي مناد: ليذهب كل قوم إلى ما كانوا يعبدون، فيذهب أصحاب الصليب مع صليبهم، وأصحاب الأوثان مع أوثانهم، وأصحاب كل آلهة مع آلهتهم، حتى يبقى من كان يعبد الله من بر وفاجر وغبرات من أهل الكتاب، ثم يؤتى بجهنم تعرض كأنها سراب، فيقال لليهود: ما كنتم تعبدون؟ قالوا: كنا نعبد عزيرا ابن الله، فيقال: :، لم يكن لله صاحبة ولا ولد، فما تريدون؟ قالوا: نريد أن تسقينا فيقال: اشربوا، فيتساقطون في جهنم، ثم يقال للنصارى: ما كنتم تعبدون؟ قالوا: كنا نعبد المسيح ابن الله [ ص: 26 ] فيقال: كذبتم، لم يكن لله صاحبة ولا ولد، فما تريدون؟ فيقولون: نريد أن تسقينا، فيقال: اشربوا، فيتساقطون في جهنم، حتى يبقى من كان يعبد الله من بر أو فاجر، فيقال لهم: ما يحبسكم، قد ذهب الناس؟ فيقولون فارقناهم ونحن أحوج منا إليه اليوم، وإنما سمعنا مناديا ينادي: ليلحق كل قوم بما كانوا يعبدون، وإنما ننتظر ربنا.

فيأتيهم الجبار في صورة غير صورته التي رأوه فيها أول مرة فيقول: أنا ربكم، فيقولون: أنت ربنا، فلا يكلمه إلا الأنبياء، فيقول: هل بينكم وبينه آية تعرفونه؟ فيقولون: الساق، فيكشف عن ساقه فيسجد له كل مؤمن ويبقى من كان يسجد لله رياء وسمعة، فيذهب كيما يسجد، فيعود ظهره طبقا واحدا.

ثم يؤتى بالجسر فيجعل بين ظهري جهنم. قلنا: يا رسول الله، وما الجسر؟ قال مدحضة مزلة، عليه [ ص: 27 ] خطاطيف وكلاليب وحسكة مفلطحة، لها شويكة عقيفاء، تكون بنجد، يقال لها: السعدان، المؤمن عليها كالطرف وكالبرق وكالريح وكأجاويد الخيل والركاب، فناج مسلم وناج مخدوش، ومكدوس في نار جهنم، حتى يمر آخرهم يسحب سحبا، فما أنتم بأشد لي مناشدة في الحق، قد تبين لكم من المؤمنين يومئذ للجبار، وإذا رأوا أنهم قد نجوا في إخوانهم يقولون: ربنا إخواننا الذين كانوا يصلون معنا، [ ص: 28 ] ويصومون معنا، ويعملون معنا، فيقول الله تعالى: اذهبوا، فمن وجدتم في قلبه مثقال دينار من إيمان فأخرجوه، ويحرم الله صورهم على النار، فيأتونهم وبعضهم قد غاب في النار إلى قدمه وإلى أنصاف ساقيه، فيخرجون من عرفوا ثم يعودون فيقول: اذهبوا فمن وجدتم في قلبه مثقال نصف دينار من إيمان فأخرجوه، فيخرجون من عرفوا، ثم يعودون فيقول: اذهبوا فمن وجدتم في قلبه مثقال ذرة من إيمان فأخرجوه، فيخرجون من عرفوا.


قال أبو سعيد: فإن لم تصدقوني فاقرأوا: إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما [النساء: 40].

وفي الرواية الأولى: ... ثم يضرب الجسر على جهنم، وتحل الشفاعة، ويقولون: اللهم سلم سلم. قيل: يا رسول الله، وما الجسر؟ قال: دحض مزلة، فيه خطاطيف وكلاليب وحسك، تكون بنجد، فيها شويكة يقال لها: السعدان، فيمر [ ص: 29 ] المؤمنون كطرف العين وكالبرق وكالريح، وكالطير، وكأجاويد الخيل والركاب، فناج مسلم، ومخدوش مرسل، ومكدوس في نار جهنم، حتى إذا خلص المؤمنون من النار، فوالذي نفسي بيده، ما منكم من أحد بأشد مناشدة لله في استقصاء الحق من المؤمنين لله يوم القيامة لإخوانهم الذين في النار، يقولون: ربنا، كانوا يصومون معنا ويصلون ويحجون، فيقال لهم: أخرجوا من عرفتم، فتحرم صورهم على النار، فيخرجون خلقا كثيرا قد أخذت النار إلى نصف ساقيه وإلى ركبتيه، ثم يقولون: ربنا ما بقي فيها أحد ممن أمرتنا به، فيقول: ارجعوا فمن وجدتم في قلبه مثقال دينار من خير أخرجوه، فيخرجون خلقا كثيرا، ثم يقولون: ربنا لم نذر فيها أحدا ممن أمرتنا، ثم يقول: ارجعوا فمن وجدتم في قلبه مثقال نصف دينار من خير فأخرجوه، [ ص: 30 ] فيخرجون خلقا كثيرا، ثم يقولون: ربنا لم نذر فيها أحدا ممن أمرتنا، ثم يقول: ارجعوا فمن لقيتم في قلبه مثقال ذرة من خير فأخرجوه، فيخرجون خلقا كثيرا، ثم يقولون: ربنا لم نذر فيها خيرا. وكان أبو سعيد الخدري يقول: إن لم تصدقوني بهذا الحديث فاقرأوا إن شئتم: إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما [النساء: 40] فيقول الله عز وجل: شفعت الملائكة، وشفع النبيون، وشفع المؤمنون، ولم يبق إلا أرحم الراحمين، فيقبض قبضة من النار فيخرج منها أقواما من النار لم يعملوا خيرا قط، قد عادوا حمما، فيلقيهم في نهر في أفواه الجنة يقال له: نهر [ ص: 31 ] الحياة فيخرجون كما تخرج الحبة في حميل السيل، ألا ترونها تكون في الحجر أو إلى الشجر، ما يكون إلى الشمس أصيفر وأخيضر، وما يكون منها إلى الظل يكون أبيض.

فقالوا: يا رسول الله، كأنك كنت ترعى بالبادية، فيخرجون كاللؤلؤ، في رقابهم الخواتم، يعرفهم أهل الجنة، يقولون: هؤلاء عتقاء الله الذين أدخلهم الله الجنة بغير عمل عملوه ولا خير قدموه، ثم يقول: ادخلوا الجنة، فما رأيتموه فهو لكم. فيقولون: ربنا أعطيتنا ما لم تعط أحدا من العالمين! فيقول: لكم عندي أفضل من هذا. فيقولون: يا ربنا أي شيء أفضل من هذا؟ فيقول: رضاي فلا أسخط عليكم بعده أبدا.
[ ص: 32 ] ولفظ الرواية الأخرى: قال أبو سعيد: فإن لم تصدقوني فاقرأوا إن شئتم: إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما [النساء: 40] فيشفع النبيون والملائكة والمؤمنون، فيقول الجبار: بقيت شفاعتي. فيقبض قبضة من النار فيخرج أقواما قد امتحشوا، فيلقون في نهر بأفواه الجنة، يقال له: ماء الحياة، فينبتون في حافتيه كما تنبت الحبة في حميل السيل قد رأيتموها إلى جانب الصخرة وإلى جانب الشجرة، فما كان إلى الشمس منها كان أخضر، وما كان إلى الظل كان أبيض، فيخرجون كأنهم اللؤلؤ، فيجعل في رقابهم الخواتيم فيدخلون الجنة فيقول أهل الجنة: هؤلاء عتقاء الرحمن، أدخلهم الجنة بغير عمل عملوه ولا خير قدموه، فيقال لهم: لكم ما رأيتم ومثله معه.

التالي السابق


الخدمات العلمية