بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية

ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

صفحة جزء
وأما ما روي عن عائشة وابن عباس من الاختلاف في أمر الرؤية فإنما دخل الأمر في ذلك على بعض الروايتين من حيث إطلاقهما اللفظ، فظنوا بهما الاختلاف، ولم يكونا ليختلفا في مثل هذا الأصل الجليل من أصول الدين، وقد روى غير أولئك الرواة عنهما لفظهما مقيدا، فزال الإشكال، والمقيد يبين المجمل، فروي عن ابن عباس في بعض الروايات: «رأى ربه بفؤاده» وهو تفسير قوله: «رآه» مطلقا. قال: وقد روي عن عائشة أنها قالت: «يا أهل العراق إنكم تقولون أقوالا يخالفها كتاب الله عز وجل وتزعمون أن محمدا [ ص: 188 ] رأى ربه ببصره، وقد قال: لا تدركه الأبصار [الأنعام: 103] وإنما رآه بفؤاده، وذلك قوله: ما كذب الفؤاد ما رأى [النجم: 11] وإنما رأى ببصره الحجاب» واستدلت على ذلك بقوله تعالى: ما زاغ البصر وما طغى لقد رأى من آيات ربه الكبرى [النجم: 17 - 18].

قال: فاتفق عنهما الروايتان قول ابن عباس وقول عائشة، وثبت من قوليهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به رأى ربه بفؤاده، وقال: وهذا مما لا نكير فيه، ولا شبهة.

قلت: وأما الأخبار المطلقة عن ابن عباس وأنس وغيرهما من الصحابة والتابعين فكثيرة أيضا، كما رواه ابن خزيمة: حدثنا عبد الوهاب بن الحكم الوراق الشيخ الصالح، حدثنا هاشم بن القاسم، عن قيس بن [ ص: 189 ] الربيع، عن عاصم الأحول، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: «إن الله اصطفى إبراهيم بالخلة، واصطفى موسى بالكلام، ومحمدا بالرؤية».

حدثنا محمد بن يحيى قال: حدثنا محمد بن الصباح قال: حدثنا إسماعيل -يعني ابن زكريا- عن عاصم، عن الشعبي، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: «رأى محمد صلى الله عليه وسلم ربه».

حدثنا إبراهيم بن عبد العزيز المقوم [ ص: 190 ] قال: حدثنا أبو بحر البكراوي، عن شعبة، عن قتادة، عن أنس بن مالك قال: «رأى محمد صلى الله عليه وسلم ربه».

حدثني عمي إسماعيل بن خزيمة، حدثنا عبد الرزاق، أنبأنا المعتمر بن سليمان، عن [ ص: 191 ] المبارك بن فضالة قال: «كان الحسن يحلف بالله لقد رأى محمد ربه». وقال أبو بكر الخلال: أنا محمد بن علي الوراق قال: ثنا إبراهيم بن هانئ، ثنا أحمد بن عيسى وقال له أحمد بن حنبل: حدثهم به في منزل عمه، ثنا عبد الله بن وهب، أخبرني عمرو بن الحارث، عن سعيد بن أبي [ ص: 192 ] هلال أن مروان بن عثمان حدثه عن عمارة بن عامر، عن أم الطفيل امرأة أبي بن كعب أنها قالت: «سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر أنه رأى ربه في المنام في صورة شاب موفر، رجلاه في خضر، عليه نعلان من ذهب، على وجهه فراش من ذهب».

قال [ ص: 193 ] الخلال: أخبرنا محمد بن إسماعيل الترمذي، حدثنا نعيم بن حماد قال: حدثنا عبد الله بن وهب، فذكره بإسناده عن أم الطفيل أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم «يذكر أنه رأى ربه في المنام في أحسن صورة شابا موفرا، رجلاه من خضر، عليه نعلان من ذهب، على وجهه فراش من ذهب».

ورواه أبو بكر عبد العزيز، حدثنا محمد بن سليمان قال: حدثنا [ ص: 194 ] أحمد بن عبد الرحمن بن أخي ابن وهب، حدثنا عمي عبد الله بن وهب، فذكره بإسناده عن أم الطفيل امرأة أبي بن كعب أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «رأيت ربي في المنام في خضر من الفردوس إلى أنصاف ساقيه، في رجليه نعلان من ذهب».

وهذا الحديث الذي أمر أحمد بتحديثه قد صرح فيه بأنه رأى ذلك في المنام، وهذه الألفاظ نظير الألفاظ التي في حديث ابن عباس، قال الخلال: أنا أبو بكر المروذي قال: قرئ على أبي عبد الله شاذان: حدثنا حماد بن سلمة، عن قتادة، عن عكرمة، عن ابن عباس «أن محمدا رأى ربه» فذكر الحديث، قلت: [ ص: 195 ] إنهم يطعنون في شاذان يقولون: ما رواه غير شاذان، قال: بلى، قد كتبته عن عفان، عن رجل، عن حماد بن سلمة، عن قتادة، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «رأيت ربي».

وقال المروذي في موضع آخر: قلت لأبي عبد الله: فشاذان كيف هو؟ قال: ثقة، وجعل يثبته، وقال: في هذا يشنع به علينا؟ قلت: أفليس العلماء تلقته بالقبول؟ قال: بلى، قلت: إنهم يقولون: إن قتادة لم يسمع من عكرمة، قال: هذا لا يدري الذي قال، وغضب، وأخرج إلي كتابه فيه أحاديث بما سمع قتادة من عكرمة، فإذا ستة أحاديث: سمعت عكرمة، حدثنا بهذا المروذي، عن أبي عبد الله، قال أبو عبد الله: قد ذهب من يحسن هذا، وعجب من قول من قال: لم يسمع، وقال: سبحان الله هو قدم البصرة فاجتمع عليه الخلق، وقال يزيد بن حازم: رواه حماد بن [ ص: 196 ] زيد أن عكرمة سأل عن شيء من التفسير فأجابه قتادة: أبنا المروذي، حدثني عبد الصمد بن يحيى الدهقان، سمعت شاذان يقول: أرسلت إلى أبي عبد الله أحمد بن حنبل أستأذنه في أن أحدث بحديث قتادة عن عكرمة عن ابن عباس «قال: رأيت ربي» قال: حدث به، فقد حدث به العلماء.

قال الخلال: أبنا الحسن بن ناصح قال: حدثنا الأسود بن عامر شاذان، ثنا حماد بن سلمة، عن قتادة، عن عكرمة، عن ابن عباس «أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى ربه جعدا قططا أمرد في حلة حمراء» والصواب: حلة خضراء.

[ ص: 197 ] ورواه الحافظ أبو الحسن الدارقطني فقال: حدثنا عبد الله بن جعفر بن خشيش، حدثنا محمد بن منصور الطوسي، ثنا أسود بن عامر قال: حدثنا حماد بن سلمة، عن قتادة، عن عكرمة، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم «أنه رأى ربه عز وجل شابا أمرد، جعدا قططا في حلة خضراء».

ورواه القطيعي والطبراني قالا حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، حدثني أبي، حدثنا الأسود بن عامر قال: حدثنا حماد بن سلمة، عن قتادة، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: قال رسول الله [ ص: 198 ] صلى الله عليه وسلم: «رأيت ربي في صورة شاب أمرد له وفرة، جعد قطط في روضة خضراء».

وأما الحديث الذي فيه اختصام الملأ الأعلى فيما رواه الخلال وابن خزيمة وغيرهما من وجوه مشهورة عن الوليد بن مسلم، حدثني عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، عن خالد بن اللجلاج، عن عبد الرحمن بن عائش الحضرمي، قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «رأيت ربي عز وجل في أحسن صورة، فقال: فيم يختصم الملأ الأعلى يا محمد؟ قال: قلت: أنت أعلم يا رب، قال: ثم قال: فيم يختصم الملأ الأعلى يا محمد؟ قال: قلت [ ص: 199 ] لا أدري يا رب، قال: فوضع كفه بين كتفي، فوجدت بردها بين ثديي، فعلمت ما في السماء والأرض، قال: وقرأ وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض وليكون من الموقنين [الأنعام: 75] قال: ثم قال: فيم يختصم الملأ الأعلى يا محمد؟ قال: قلت في الكفارات يا رب، قال: قلت: وما هن؟

قلت: المشي إلى الجماعات، وإسباغ الوضوء على المكاره، قال: فقال لي: من يفعل ذلك يعش بخير ويمت بخير ويكن من خطيئته كيوم ولدته أمه، ومن الدرجات طيب الكلام، وأن تقوم بالليل والناس نيام، وقال: قل اللهم إني أسألك الطيبات، وترك المنكرات، وحب المساكين، وأن تتوب علي، وتغفر لي وترحمني، وإذا أردت فتنة في قوم فتوفني إليك غير مفتون، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تعلموهن فوالذي نفسي بيده إنهن لحق».


[ ص: 200 ] [ ص: 201 ] وقال أبو بكر بن خزيمة: روى الوليد حدثني عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، ثنا خالد بن اللجلاج، حدثني عبد الرحمن بن عائش الحضرمي، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «رأيت ربي في أحسن صورة، فقال: فيم يختصم الملأ الأعلى يا محمد؟ قال: قلت: أي ربي مرتين، فوضع كفه بين كتفي، فوجدت بردها بين ثديي، فعلمت ما في السموات والأرض، ثم تلا وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض وليكون من الموقنين [الأنعام: 75] قال: فيم يختصم الملأ الأعلى يا محمد؟ قال: قلت: في الكفارات يا رب، قال: وما هن؟ قلت: المشي إلى [ ص: 202 ] الجماعات، والجلوس في المساجد، وانتظار الصلوات، وإسباغ الوضوء على المكاره، فقال الله: من فعل ذلك يعش بخير ويمت بخير، ويكون من خطيئته كيوم ولدته أمه، ومن الدرجات إطعام الطعام، وطيب الكلام، وأن تقوم بالليل والناس نيام، وقال: اللهم إني أسألك الطيبات، وترك المنكرات، وحب المساكين، وأن تتوب علي وتغفر لي وترحمني، وإذا أردت فتنة في قوم فتوفني غير مفتون. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تعلموهن؛ فوالذي نفسي بيده إنهن لحق».

قال ابن خزيمة: حدثنا أبو قدامة وعبد الله بن محمد الزهري ومحمد بن ميمون المكي قالوا: حدثنا الوليد بن مسلم، قال الإمام أبو بكر بن خزيمة: قوله في هذا الخبر «قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم» وهم؛ لأن عبد الرحمن بن [ ص: 203 ] عائش لم يسمع من النبي صلى الله عليه وسلم هذه القصة، وإنما رواه عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ولا أحسبه أيضا سمعه من الصحابي؛ لأن يحيى بن أبي كثير رواه عن زيد بن سلام، عن عبد الرحمن الحضرمي، عن مالك بن يخامر، عن معاذ وقال: قال يزيد بن جابر، عن خالد بن اللجلاج، عن عبد الرحمن بن عائش عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.

[ ص: 204 ] كذلك ثنا أبو موسى محمد بن المثنى، حدثني أبو عامر عبد الملك بن عمرو، حدثنا زهير وهو ابن محمد، عن يزيد -قال أبو موسى: وهو يزيد بن جابر- عن خالد بن اللجلاج، عن عبد الرحمن بن عائش، عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر الحديث بطوله.

قال ابن خزيمة: وجاء قتادة بلون آخر، فروى معاذ بن هاشم، حدثني أبي، عن [ ص: 205 ] قتادة، عن أبي قلابة، عن خالد بن اللجلاج، عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، حدثناه بندار وأبو موسى قالا: حدثنا معاذ، حدثني أبي، عن قتادة، عن أبي قلابة، عن خالد بن اللجلاج، عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «رأيت ربي في أحسن صورة، فقال: يا محمد! قلت: لبيك وسعديك، قال: فيم يختصم الملأ الأعلى؟ قلت: يا رب لا أدري، قال: فوضع يده بين كتفي فوجدت بردهما بين ثديي، فعلمت ما بين المشرق والمغرب، فقال: يا محمد! قلت: لبيك رب وسعديك، قال: فيم يختصم الملأ الأعلى؟ قال: قلت يا رب في الكفارات: المشي على الأقدام إلى الجمعات، وإسباغ الوضوء في المكروهات، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فمن حافظ عليهن عاش بخير ومات بخير وكان من ذنوبه كيوم ولدته أمه» هذا حديث أبي موسى، وقال بندار: قال: «أتاني ربي في أحسن صورة، وقال: قلت في الدرجات والكفارات، وقال: انتظار الصلاة بعد [ ص: 206 ] الصلاة، لم يقل: الصلوات».

قال: ورواه معمر، عن أيوب، عن أبي قلابة، عن ابن عباس رضي الله عنهما، ورواه من طريق معمر ثم قال أبو بكر: رواية يزيد وعبد الرحمن بن يزيد بن جابر أشبه بالصواب حين قالا: عن عبد الرحمن بن عائش من رواية من قال: عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، فإنه قد روى عن يحيى بن أبي كثير عن زيد بن سلام أنه حدثه عبد الرحمن الحضرمي وهو ابن عائش -إن شاء الله تعالى- حدثنا مالك بن يخامر السكسكي أن معاذ بن جبل قال: «احتبس عنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات غداة من صلاة الصبح حتى كدنا نتراءى قرن الشمس، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم سريعا فثوب بالصلاة، فصلى وتجوز في صلاته، فلما صلى دعا بصوته: على مصافكم [ ص: 207 ] كما أنتم، ثم انفتل إلينا، فقال: إني سأحدثكم ما حبسني عنكم الغداة، إني قمت من الليل فتوضأت وصليت ما قدر لي فنعست في مصلاي حتى استثقلت، فإذا أنا بربي في أحسن صورة، فقال: يا محمد! فقلت: لبيك يا رب، قال: فيم يختصم الملأ الأعلى؟ قال: قلت: لا أدري، قالها ثلاثا، قال: فرأيته وضع كفه بين كتفي حتى وجدت برد أنامله بين ثديي، فتجلى لي كل شيء وعرفته، فقال: يا محمد! قال: فقلت: لبيك، قال: يا محمد! قلت: لبيك، قال: فيم يختصم الملأ الأعلى؟ قال: قلت: في الكفارات، قال: وما هن؟ قلت: مشي على الأقدام إلى الجماعات، وجلوس في المساجد بعد الصلوات، وإسباغ الوضوء حين الكريهات، قال: ثم فيم؟ قال: قلت: إطعام الطعام، ولين الكلام، والصلاة بالليل والناس نيام، قال سل، فقلت: اللهم إني أسألك فعل الخيرات، وترك المنكرات، وحب المساكين، وأن تغفر لي وترحمني، وإذا أردت فتنة في قوم فتوفني غير مفتون، وأسألك حبك وحب من [ ص: 208 ] أحبك وحب عمل يقربني إلى حبك» فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنها حق فتعلموها وادرسوها».

حدثنا أبو موسى قال: حدثنا معاذ بن هانئ، حدثنا جهضم بن عبد الله القيسي، قال: حدثنا يحيى بن أبي كثير، عن زيد بن سلام، أنه حدثه عبد الرحمن الحضرمي -قال أبو موسى وهو ابن عائش- الحديث على ما أمليته.

قلت: هذه الطريق أتم الطرق إسنادا ومتنا، وفيها بيان أصل الحديث، فإن غيره رواه عن ابن عائش، عن [ ص: 209 ] رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وهو حق، فإن الرجل معاذ، لكن لم يذكروا الواسطة بينهما، وهو مالك بن يخامر، وهو من أكابر أصحاب معاذ والأخصاء به.

ورواه الآخر عن ابن عائش مرسلا، لكن غلطه في ذكر لفظ السماع، وهذه رواية أهل الشام لهذا الحديث، وهم به أعرف؛ لأن مخرجه من عندهم، وأخذه أبو قلابة، وكان قد قدم الشام من هذا الشيخ خالد بن اللجلاج، لكن وقع تصحيف في اسم ابن عائش بابن عباس، فحدث به البصريين، أسنده عنه تارة وأرسله أخرى، ولم يتجاوز به ذلك؛ لأن خالد بن اللجلاج لم يكن يستوفي إسناده، بل تارة يذكره عن ابن عياش، عن النبي صلى الله عليه وسلم، وتارة عنه عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن زيد بن سلام لما رواه عن ابن عائش أسنده واستوفاه؛ لأنه كان مكتوبا عنده.

فهذه الروايات يصدق بعضها بعضا؛ إذ قد رواه عن كل [ ص: 210 ] شخص أكثر من واحد، لكن بمجموع الطرق انكشف ما وقع في بعضها من غلط في بعض طريقه.

قال أبو بكر بن خزيمة: روى معاوية بن صالح، عن أبي يحيى -وهو عندي سليم بن عامر- عن أبي يزيد، عن أبي سلام الحبشي، أنه سمع ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن [ ص: 211 ] النبي صلى الله عليه وسلم أخر صلاة الصبح حتى أسفر، فقال: «إنما تأخرت عنكم أن ربي قال: يا محمد، هل تدري فيم يختصم الملأ الأعلى؟ قلت: لا أدري يا رب، فرددها مرتين أو ثلاثا، ثم حسست بالكف بين كتفي حتى وجدت بردها بين ثديي، ثم تجلى لي كل شيء، وعرفت، قال: قلت: نعم يا رب، يختصمون في الكفارات والدرجات، والكفارات: المشي على الأقدام إلى الجمعات، وإسباغ الوضوء في الكريهات، وانتظار الصلاة بعد الصلاة. والدرجات: إطعام الطعام، وبذل السلام، والقيام بالليل والناس نيام. ثم قال: يا محمد اشفع تشفع، وسل تعط، قال: فقلت: اللهم إني أسألك فعل الخيرات، وترك المنكرات، وحب المساكين، وأن تغفر لي وترحمني، وإذا أردت فتنة في قوم فتوفني وأنا غير مفتون، اللهم إني أسألك حبك وحب من يحبك، وحبا يبلغني حبك».

حدثنا أحمد بن عبد الرحمن قال: ثنا [ ص: 212 ] عمي قال: حدثنا معاوية، قال أبو بكر: لست أعرف أبا يزيد هذا بعدالة ولا جرح.

قال: وروى شيخ من الكوفيين يقال له: سعيد بن سويد القرشي، عن عبد الرحمن بن إسحاق، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن معاذ بن جبل هذه القصة بطولها، فيشبه بخبر يحيى بن أبي كثير.

ثنا محمد بن أبي سعيد بن سويد القرشي كوفي [ ص: 213 ] قال: حدثني أبي، قال أبو بكر بن خزيمة: وهذا الشيخ سعيد بن سويد لست أعرفه بعدالة ولا جرح، وعبد الرحمن بن إسحاق هذا هو أبو شيبة الكوفي، ضعيف الحديث، الذي روى عن النعمان بن سعد، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه سلم أخبارا منكرة، وعبد الرحمن بن أبي ليلى لم يسمع من معاذ بن جبل، مات معاذ في أول خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه بالشام.

قال ابن خزيمة: فليس يثبت من هذه الأخبار شيء من عند ذكر عبد الرحمن بن عائش بالعلل التي ذكرناها لهذه الأسانيد، ولعل من لم يتبحر العلم يحسب أن خبر يحيى بن [ ص: 214 ] أبي كثير عن زيد بن سلام ثابت؛ لأنه قيل في الخبر عن زيد أنه حدثه عبد الرحمن الحضرمي، ويحيى بن أبي كثير أحد المدلسين، لم يخبر أنه سمع هذا من زيد بن سلام.

قد سمعت الدارمي أحمد بن سعيد يقول: حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث، حدثني أبي، عن حسين المعلم قال: لما قدم علينا عبد الله بن بريدة بعث إلي مطر [ ص: 215 ] الوراق احمل الصحيفة والدواة وتعال، فحملت الصحيفة والدواة فأتيناه، فأخرج إلينا كتاب أبي سلام، فقلنا: سمعت هذا من أبي سلام؟ قال: لا، قلنا: فمن رجل سمعه من أبي سلام؟ قال: لا، فقلنا له: تحدث بأحاديث مثل هذه لم تسمعها من الرجل ولا من رجل سمعها منه؟ فقال: أترى رجلا جاء بصحيفة ودواة كتب أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل هذه كذبا؟ هذا معنى الحكاية. قال أبو بكر: كتب عني مسلم بن الحجاج هذه الحكاية.

التالي السابق


الخدمات العلمية