بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية

ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

صفحة جزء
قال: «ورأيت في مسائل مهنا بن يحيى [ ص: 218 ] الشامي قال: سألته -يعني أحمد- عن حديث رواه ابن وهب، عن عمرو بن الحارث، عن سعيد بن أبي هلال، أن مروان بن عثمان حدثه عن عمارة، عن أم الطفيل امرأة أبي بن كعب أنها قالت: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يذكر أنه رأى ربه في المنام في صورة شاب موفر، رجلاه في خضر، عليه نعلان من ذهب، على وجهه فراش من ذهب» فحول وجهه عني، وقال: هذا حديث منكر. وقال: ولا يعرف، هذا رجل مجهول، يعني مروان بن عثمان.

قال القاضي أبو يعلى: «فظاهر هذا التضعيف من أحمد لحديث أم الطفيل» قال: «رأيت بخط أبي بكر الكبشي قال [ ص: 219 ] عبد العزيز سمعت الخلال يقول: إنما يروى هذا الحديث وإن كان في إسناده شيء تصحيحا لغيره؛ ولأن الجهمية تنكره». قال: «ورأيت بخط ابن حبيب جوابات مسائل لأبي بكر عبد العزيز قال: حديث أم الطفيل فيه وهاء، ونحن قائلون به».

قال القاضي: وظاهر رواية إبراهيم بن هانئ يدل على صحته؛ لأن أحمد قال لأحمد بن عيسى في منزل عمه: حدثهم به، ولا يجوز أن يأمره أن يحدثهم بحديث يعتقد ضعفه، لا سيما فيما يتعلق بالصفات، قال: وقد صححه أبو زرعة الدمشقي فيما [ ص: 220 ] سمعه من أبي محمد الخلال وأبي طالب العشاري وأبي بكر بن بشر، عن علي بن عمر الحافظ وهو الدارقطني فيما خرجه في آخر كتاب الرؤية، قال: حدثنا محمد بن إسماعيل الفارسي، حدثنا أبو زرعة الدمشقي، حدثنا أحمد بن صالح، حدثنا ابن وهب، أخبرني عمرو بن الحارث بن سعيد بن أبي هلال أن مروان بن عثمان أخبره عن عمارة بن عامر [ ص: 221 ] عن أم الطفيل امرأة أبي بن كعب أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم «يذكر أنه رأى ربه عز وجل في النوم في صورة شاب ذي وفرة، قدماه في خضر، عليه نعلان من ذهب، على وجهه فراش من ذهب» قال أبو زرعة: «كل هؤلاء الرجال معروفون لهم أنساب قوية بالمدينة، فأما مروان فهو مروان بن عثمان بن أبي سعيد بن المعلى الأنصاري، وأما عمارة فهو ابن عامر بن عمرو بن حزم، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعمرو بن الحارث وسعيد بن أبي هلال فلا يشك فيهما، وحسبك بعبد الله بن وهب محدثا في دينه وفضله» قال القاضي: فظاهر الكلام من أبي زرعة إثباتا لرجال حديث أم الطفيل، وتعريفا لهم، وبيانا عن عدالتهم، قال: وهو ظاهر ما عليه أصحابنا؛ لأن أبا بكر الخلال ذكر حديث أم الطفيل في سننه ولم يتعرض للطعن عليه، وأخرج إلي أبو إسحاق البرمكي جزءا فيه حكايات عن [ ص: 222 ] أبي الحسن بن بشار، رواية ابنه أبي حفص عن أبيه أحمد بن إبراهيم، قال: «سألت الشيخ -يعني أبا الحسن بن بشار- عن حديث أم الطفيل وحديث ابن عباس في الرؤية، فقال: صحيح، فعارض رجل وقال: هذه الأحاديث لا تذكر في مثل هذا الوقت، فقال له الشيخ: فيدرس الإسلام، فسكت» فقد حكم بصحة الحديث، قال: وقد يجوز أنه لم يقع لأحمد معرفة مروان بن عثمان في حال ما سأله مهنا، ثم وقع [ ص: 223 ] له معرفة نسبه فيما بعد.

التالي السابق


الخدمات العلمية