بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية

ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

صفحة جزء
قال: وكتب إلي أبو القاسم عبد الرحمن بن محمد بن إسحاق بن منده الأصبهاني بجزء فيه حديث ابن عباس في الرؤية من طرق، وكلام أصحاب الحديث عليه. فقال: أخبرنا الحسين بن علي بن سلمة الهمداني ومحمد بن علي بن مهدي وغيرهم قالوا: حدثنا أحمد بن جعفر بن مالك، وحدثنا أحمد بن محمد بن عبد الله بن إسحاق -واللفظ له- قال: حدثنا سليمان بن أحمد بن أيوب قال: حدثنا عبد الله بن الإمام أحمد، حدثني أبي [ ص: 224 ] قال: حدثنا الأسود بن عامر، حدثنا حماد بن سلمة، عن قتادة، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «رأيت ربي في صورة شاب أمرد، له وفرة، جعد قطط، في روضة خضراء». قال: وأبلغت أن الطبراني قال: حديث قتادة عن عكرمة عن ابن عباس في الرؤية صحيح، وقال: من زعم أني رجعت عن هذا الحديث بعدما حدثت به فقد كذب، وقال: وهذا حديث رواه جماعة من الصحابة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وجماعة من التابعين عن ابن عباس، وجماعة من تابعي التابعين عن عكرمة، وجماعة من الثقات عن حماد بن سلمة. قال: وقال أبي -رحمه الله-: روى هذا الحديث جماعة من الأئمة الثقات، عن حماد بن سلمة، عن قتادة، عن عكرمة، عن ابن عباس [ ص: 225 ] عن النبي صلى الله عليه وسلم، وذكر أسماءهم بطولها.

وأخبرنا محمد بن عبيد الله الأنصاري، سمعت أبا الحسن عبيد الله بن محمد بن معدان يقول: سمعت سليمان بن أحمد يقول: سمعت ابن صدقة الحافظ يقول: من لم يؤمن بحديث عكرمة فهو زنديق.

وأخبرنا محمد بن سليمان قال: سمعت بندار بن أبي إسحاق يقول: سمعت علي بن محمد بن أبان يقول: سمعت البرذعي يقول: سمعت أبا زرعة الرازي يقول: [ ص: 226 ] من أنكر حديث قتادة عن عكرمة عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «رأيت ربي عز وجل» فهو معتزلي.

وسمعت علي بن أحمد بن مهران المديني قال: حضرت أبا عبد الله بن مهدي وحضر عندنا جماعة فتذاكروا حديث عكرمة، وأنكره بعضهم، وكنت قد حفظته، فحدثت به بطوله، فقام إلي أبو عبد الله وقبل رأسي، ودعا لي. قال: وحدثنا محمد بن محمد بن الحسن قال: حدثنا أحمد بن محمد اللخمي، سمعت محمد بن علي بن جعفر البغدادي قال: سمعت أحمد بن محمد بن [ ص: 227 ] هانئ الأثرم يقول: سألت أبا عبد الله أحمد بن حنبل عن حديث حماد بن سلمة، عن قتادة، عن عكرمة، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم: «رأيت ربي» الحديث، فقال أحمد بن حنبل: هذا الحديث رواه الكبر عن الكبر عن الصحابة عن النبي صلى الله عليه وسلم، فمن شك في ذلك أو في شيء منه فهو جهمي لا تقبل شهادته، ولا يسلم عليه، ولا يعاد في مرضه.

قلت: في هذه الرواية عن أحمد نظر.

وأنبأنا أحمد بن محمد بن عبد الله بن إسحاق، حدثنا محمد بن يعقوب، حدثنا أحمد بن محمد قال: حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال: رأيت أبي يصحح هذه الأحاديث، ويذهب إليها، وجمعها وحدثناها.

وروى بإسناده عن [ ص: 228 ] عبد الوهاب الوراق قال: سمعت أسود بن سالم يقول: في هذه الأحاديث التي جاءت في الرؤية قال: «نحلف عليها بالطلاق والعتاق أنها حق» قلت: قد جعل أحمد حديث قتادة عن عكرمة عن ابن عباس الذي فيه «في صورة شاب أمرد له وفرة» هو الحديث المشهور عن ابن عائش، الذي أرسله وأسنده الذي فيه وضع الكف بين كتفيه عن معاذ، وفيه التصريح بأنه كان في المنام بالمدينة؟ فإن معاذا لم يصل خلف النبي صلى الله عليه وسلم إلا بالمدينة.

وحديث أم الطفيل المتقدم أيضا يصرح بأنه كان في المنام.

وحديث ثوبان مثل حديث معاذ فيه «أنه تأخر عن صلاة الصبح وثوبان لم يصل خلفه إلا بالمدينة» مع أن السياقين سواء.

وهذه الأحاديث كلها ترجع إلى هذه الأحاديث الأربعة: حديث أم الطفيل، وحديث ابن عائش عن معاذ، وحديث [ ص: 229 ] ثوبان، وحديث ابن عباس، وقد ذكر الإمام أحمد -رحمه الله- أن أصلها حديث واحد وإن كان لم يذكر حديث ثوبان؛ إما أنه لم يبلغه أو بلغه وذلك حديث قائم بنفسه، وكلها فيها ما يبين أن ذلك كان في المنام، وأنه كان بالمدينة إلا حديث عكرمة، عن ابن عباس، وقد جعل أحمد أصلهما واحدا، وكذلك قال العلماء.

التالي السابق


الخدمات العلمية