بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية

ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

صفحة جزء
الوجه السادس: أن كون الصمد «يصمد إليه في الحوائج» هو حق أيضا، وهو مقرر للتفسير الأول، ودال عليه، فلا ينافي أن يكون هو في نفسه مجتمعا لا جوف له، بل كونه في نفسه كذلك هو الموجب لاحتياج الناس إليه؛ فإن الحاجة إلى الشيء فرع اتصافه في نفسه بما يوجب قضاءه للحوائج، فلا يكون الأثر منافيا للمؤثر، ولا يكون الملزوم منافيا للازم، بل الأثر اللازم [ ص: 556 ] دليل على المؤثر الملزوم للأثر.

والصمد أكمل من أن يطلق على السيد؛ ولهذا قال ابن عباس: «هو السيد الكامل في سؤدده».

ألا ترى أن الشاعر قال:

«فأنت السيد الصمد»

وقال: «بالسيد الصمد» فلو كان مرادفا له لكان تكريرا.

وأما الحديث الذي رواه عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم فلم يذكر إسناده، وهو باطل لا أصل له عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن روي عن ابن عباس.

ولفظ السيد أيضا يدل على الجمع، كما يدل عليه لفظ الصمد، يقال: السواد اللون الجامع للبصر، والبياض اللون المفرق له، والحليم سمي سيدا؛ لأنه مجتمع [ ص: 557 ] النفس، لا يجزع فيتفرق عند الغضب؛ وذلك ضعف وخور؛ ولهذا يروى: «فلما رآه أجوف علم أنه خلق لا يتمالك».

ويقال: لم أتمالك أن فعلت كذا، أي: ما ملكت نفسي، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ليس الشديد بالصرعة إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب» والأجوف متفرق لا يتمالك، فلا يثبت ولا يستقر في نفسه، فضلا عن أن يكون مقصودا لغيره يصمدون صمده، كما قيل في اسم القيوم: إنه القائم بنفسه المقيم لغيره، فكون المسمى بالصمد صمدا لغيره فرع كونه صمدا في نفسه.

ويدل على ذلك أنهم يسمون بالصمد: الحليم المجتمع [ ص: 558 ] وإن لم يجتمع إليه الناس، كما قال طرفة:


يزعون الجهل في مجلسهم     وهمو أيضا ذوو الحلم الصمد

التالي السابق


الخدمات العلمية