بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية

ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

صفحة جزء
وأما النوع الثاني من تقرب الرب إلى العبد، فهو تقربه بفعل يقوم بنفسه، كما ورد لفظ المجيء والإتيان والنزول وغير ذلك، فالكلام على هذا التقرب يؤخر إلى حيث يذكر ذلك.

ونتكلم هنا في القرب الأول، فكل من قال: إن الله فوق العرش. قال: إنه يمكن التقرب إليه، وأما من قال: إنه ليس فوق [ ص: 171 ] العرش. قال: إنه في كل مكان بذاته، أو أنه لا داخل العالم ولا خارجه، فعلى قولهم يمتنع التقرب إليه، وهؤلاء منهم من يقول: إنه جسم، ومنهم من يقول: ليس بجسم، كما تقدم ذكر ذلك عنهم، وقد اعترف بالتقرب إليه نفسه من أقر بأنه فوق السموات ممن قال: إنه ليس بجسم، وممن قال: إنه جسم، وممن لم يقل واحدا من القولين، لا أثبت الجسم ولا نفاه، فتبين أن إثبات التقرب إليه ونفيه ليس من لوازم القول بالجسم، بل المثبت له والنافي، منهم من يقول: يتقرب إليه نفسه، ومنهم من يقول: لا يتقرب إليه نفسه، ومن يقول: لا يتقرب إليه نفسه، والتقرب إليه اسم جنس، وتحته أنواع من أثبت نوعا من تلك الأنواع فقد أثبت التقرب إليه بشيء، وكذلك من أثبت أنه يصعد إليه نفسه بشيء، أو يرتفع إليه بشيء، وكذلك من ذهب إلى أنه تذهب إليه نفسه بشيء، أو تأتيه نفسه بشيء، أو تقف عليه نفسه، ونحو ذلك، فقد أثبت أنه يتقرب إليه بشيء، وأما من [ ص: 172 ] أثبت أنه هو يجيء ويأتي، ويتقرب، فإنه يثبت التقرب إليه بطريق الأولى.

وكل من استدل على أنه فوق العرش بالنصوص المتضمنة لذكر العلو إليه مثل قوله تعالى: إليه يصعد الكلم الطيب [فاطر: 10]. وقوله: إني متوفيك ورافعك إلي [آل عمران: 55]. وقوله: تعرج الملائكة والروح إليه [المعارج: 4]. وغير ذلك، فإنه يقول: إنه يتقرب إليه.

وكذلك من أثبت أنه يقف عليه شيء أو يجيئه شيء، أو أن عبده يلقاه، أو يكون بينه وبين خلقه حجاب ونحو ذلك، فإنه يقول: إنه يتقرب إليه.

التالي السابق


الخدمات العلمية