بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية

ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

صفحة جزء
فصل

أبو عبد الله الرازي: فيه تجهم قوي; ولهذا يوجد ميله إلى الدهرية، أكثر من ميله إلى السلفية، الذي يقولون: إنه فوق العرش، وربما كان يوالي أولئك أكثر من هؤلاء، ويعادي هؤلاء أكثر من أولئك; مع اتفاق المسلمين على أن الدهرية كفار، وأن المثبتة للعلو فيهم من خيار المسلمين من لا يحصيه إلا الله تعالى، وقد صنف على مذهب الدهرية المشركين والصابئين كتبا حتى قد صنف في السحر، وعبادة الأصنام [ ص: 409 ] -وهو الجبت والطاغوت- وإن كان قد أسلم من هذا الشرك وتاب من هذه الأمور، فهذه الموالاة والمعاداة لعلها في تلك الأوقات، ومن كان بتلك الأحوال، فهو قبل الإسلام والتوبة; ومن فعل هذا كان له نصيب من قوله تعالى: ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا أولئك الذين لعنهم الله ومن يلعن الله فلن تجد له نصيرا [النساء: 51-52] إلى قوله: ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالا بعيدا وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول رأيت المنافقين يصدون عنك صدودا [النساء: 60-61] إلى آخر الآيات. [ ص: 410 ]

يقرر ذلك أنه احتج في مقدمة هذا العلم الشريف بكلام أرسطو معلم المشائين من الدهرية ولم يكن عنده من آثار الأنبياء والمرسلين ما يقدمه على كلام الدهرية، واحتج أيضا بما نقله عن أبي معشر البلخي المنجم -وهو من أتباع الصابئين، بل كان تارة من المشركين عباد الشمس والقمر، وعبد القمر مدة، كما أخبر بذلك عن نفسه، وصنف ما صنف في ذلك- وجواب الدهرية: أنه قبل العالم وما فيه من الزمان، وقولهم: «والعلم الضروري حاصل بأن هذه القبلية لا تكون إلا بالزمان والمدة». [ ص: 411 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية