بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية

ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

صفحة جزء
فصل

قال الرازي: الوجه الثالث: أن التحدي وقع بالقرآن، وما لم يكن معلوما لا يجوز التحدي به، قال: فهذا مجموع كلام المتكلمين، وبالله التوفيق.

فيقال: هذه الحجج كما أنها دالة على فساد قول من قال: إن في القرآن ما لا سبيل لأحد إلى فهمه، بل معرفة معناه ممتنع، فهي أيضا دالة على فساد قول هؤلاء المتكلمين نفاة الصفات أو بعضها، فهي حجة على فساد قول الطائفتين، وذلك أن هؤلاء النفاة يقولون: إن التوحيد الحق الذي يستحقه الله تعالى ويجب أن يعرف به، ويمتنع وصفه بنقيضه ليس هو في القرآن، ولم يدل عليه القرآن، ودلالة الخطاب المعروفة لا تفيد اليقين، وهو كون الرب ليس بداخل العالم ولا خارجه، ولا يشار إليه، ولا يقرب من شيء، ولا يقرب منه شيء، ولا يصعد إليه شيء، ولا ينزل منه شيء، ولا يحجب [ ص: 247 ] العباد عنه شيء، ولا عنده شيء دون شيء، بل جميع الأشياء سواء، ولا يحتجب عنهم بشيء -وأنواع ذلك- فمن المعلوم أن القرآن لم يدل على شيء من ذلك ولا بينه، بل إنما دل على نقيضه، وهو إثبات الصفات، وأنها تدل على أنه يقرب من غيره، ويدنو إليهم، ويقرب العبد منه، ويدنو إليه، وعلى أنه عال على جميع الأشياء فوقها، وأنه ينزل منه كلامه، وتنزل الملائكة من عنده، وتعرج إليه، وأمثال ذلك.

وهم متفقون على أن ظاهر القرآن إنما يدل على الإثبات الذي هو عندهم تجسيم باطل، بل كفر، وغيرهم يقول: بل دلالة القرآن على ذلك نصوص صريحة، بل ذلك معلوم بالاضطرار من القرآن والرسول، وسيأتي كلامهم في حكمة إنزال هذه الآيات، وقد ذكر فيها خمسة وجوه:

التالي السابق


الخدمات العلمية