بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية

ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

صفحة جزء
الوجه الرابع عشر: قوله: "ليس ترك ظاهر أحدهما لإبقاء الآخر بأولى من العكس".

فيقال له: أحدهما مفسر للآخر مبين للمراد به، ليس معارضا له إلا عند من لا يفهم، كقوله تعالى: اتقوا الله حق تقاته [ ص: 457 ] [آل عمران: 102]. وقوله تعالى: فاتقوا الله ما استطعتم [التغابن: 16]. فإن قوله: ما استطعتم مفسر لقوله: حق تقاته ورافع لظن من يظن أن الله أمر الناس بحق تقاته الذي لا يستطيعونه، وهذا هو الذي أراده من قال من المتقدمين أن هذه ناسخة لتلك، أرادوا أنها ناسخة للظن الفاسد من معناها، ولم يريدوا أن الله أمر الناس بما لا يستطيعونه من تقواه، ثم نسخ ذلك، ولكن رفع ما يظن أن الآية دالة عليه يسمونه نسخا، فإنه من إلقاء الشيطان.

وقد قال تعالى: فينسخ الله ما يلقي الشيطان ثم يحكم الله آياته والله عليم حكيم [الحج: 52]. ولكن من الناس من لم يعرف مرادهم بلفظ النسخ وعادتهم واصطلاحهم فيه، فيظن أنهم أرادوا به معناه الخاص، فيكون قد أمروا بما لا يستطيعه العباد، وهذا لم يقع في الشريعة قط، ولا عرف أن السلف رحمهم الله تعالى فهموا هذا من الآية، وهكذا إذا كانت إحدى الآيتين دلت على المعنى دلالة راجحة، فإنها تقضي على [ ص: 458 ] الدلالة المرجوحة وتفسرها.

التالي السابق


الخدمات العلمية