بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية

ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

صفحة جزء
قال النوبختي: ( وللفلاسفة القدماء في الباري أقوال مظلمة غير بينة، وكان عنايتهم بغير أمر الديانات، وكان أكثر كلامهم في أمور الطبيعة والنفس والفلك والكون والفساد والجواهر والأعراض، وقد زعم أرسطاطاليس على ما قرأناه في "مقالة اللام" التي فسرها ثامسطيوس أن الله تعالى [ ص: 570 ] جوهر أزلي بسيط غير مركب ليس بجسم، ولا تجوز عليه الحركة والسكون، والاجتماع والافتراق، وسماه مرة عقلا، وطبيعة تارة. وقال في موضع آخر من هذه المقالة: إنه حياة، وقال في موضع آخر منها: إنه يعقل ذاته، ويعلم ذاته وسائر الأشياء التي هو علة لها، وذكر فرفوريوس في رسالته التي زعم أنه يحكي فيها مذاهب أرسطاطاليس في الباري والمبادئ: أنه يصف الله تعالى بأنه خير،، وأنه حكيم وأنه قوي، وزعم [ ص: 571 ] أفلاطون في كتابه "كتاب النواميس" أن أشياء لا ينبغي للإنسان أن يجهلها: منها أن له صانعا، وأن صانعه يعلم أفعاله فأثبت لله العلم بأفعاله.

وزعم قوم من فلاسفة دهرنا أن "أفلاطون" إنما وضع هذا على سبيل التأديب للناس، وبحسب السنة وما كان يذهب إليه؛ لا على الاعتقاد. قال: وهذا ظن من هؤلاء القوم. فأما قول أفلاطون فهو ما ذكره في كتابه. وحكى يحيى النحوي في المقالة الأولى من كتابه في تفسير سمع الكنان وأن الله تعالى إنما يعرف بالسلب، فيقال: إنه لا شبه له ولا مثال إلا [ ص: 572 ] الشمس وحدها، فإنه كما أن الشمس تفوق جميع الأشياء التي في العالم كذلك تفوق العلة الأولى جميع الموجودات وتفضلها فضلا يجوز كل قياس. قال: وكما أن الشمس تدبر جميع الأشياء على طريقة واحدة ).

التالي السابق


الخدمات العلمية