بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية

ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

صفحة جزء
قال الخلال: (وأخبرني علي بن عيسى أن حنبلا حدثهم، قال: سألت أبا عبد الله عن الأحاديث التي تروى "أن الله تعالى ينزل إلى سماء الدنيا" و "أن الله تعالى يرى" و "أن [ ص: 623 ] الله تعالى يضع قدمه" وما أشبه هذه الأحاديث فقال أبو عبد الله: نؤمن بها، ونصدق بها، ولا كيف ولا معنى، ولا نرد منها شيئا، ونعلم أن ما جاءت به الرسل حق، ونعلم أن ما ثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم حق إذا كانت بأسانيد صحيحة، ولا نرد على قوله، ولا نصف الله تبارك وتعالى بأعظم مما وصف به نفسه بلا حد ولا غاية. وقال حنبل في موضع آخر: ليس كمثله شيء في ذاته كما وصف به نفسه، قد أجمل تبارك وتعالى بالصفة لنفسه فحد لنفسه صفة ليس يشبهه شيء، [ ص: 624 ] فيعبد الله تعالى بصفاته غير محدودة ولا معلومة إلا بما وصف نفسه ) قال تعالى: وهو السميع البصير [الشورى: 11 ] وقال حنبل في موضع آخر قال: (فهو سميع بصير بلا حد ولا تقدير، ولا يبلغ الواصفون [صفته ] وصفاته منه وله، ولا نتعدى القرآن والحديث، فنقول كما قال؛ ونصفه كما وصف نفسه تعالى ولا نتعدى ذلك، ولا تبلغه صفة الواصفين، نؤمن بالقرآن كله محكمه ومتشابهه، ولا نزيل عنه صفة من صفاته لشناعة شنعت، وما وصف به نفسه: من كلام، ونزول، وخلوة بعبده يوم القيامة، ووضع كنفه عليه، هذا كله يدل على أن الله تعالى يرى في الآخرة، والتحديد في هذا بدعة، والتسليم لله بأمره بغير صفة ولا حد إلا ما وصف به نفسه، سميع بصير، لم يزل متكلما، حيا عالما غفورا، عالم الغيب والشهادة، علام الغيوب، فهذه صفاته وصف بها نفسه لا تدفع [ ص: 625 ] ولا ترد، وهو على العرش بلا حد، كما قال: ثم استوى على العرش [الأعراف: 54 ] كيف شاء، المشيئة إليه عز وجل، والاستطاعة له ليس كمثله شيء [الشورى: 11 ] وهو خالق كل شيء، وهو كما وصف نفسه، سميع بصير بلا حد ولا تقدير، قال إبراهيم لأبيه: لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئا [مريم: 42 ] فثبت أن الله سميع بصير، صفاته منه، لا نتعدى القرآن والحديث والخبر. يضحك الله ولا يعلم كيف ذلك إلا بتصديق الرسول صلى الله عليه وسلم وبتثبيت القرآن، لا يصفه الواصفون، ولا يحده أحد، تعالى الله عما يقول الجهمية والمشبهة. [ ص: 626 ]

وقال أبو عبد الله: قال لي إسحاق بن إبراهيم لما قرأ الكتاب بالمحنة: تقول ليس كمثله شيء ؟ فقلت له: ليس كمثله شيء وهو السميع البصير [الشورى: 11 ] قال: ما أردت بها؟ قلت القرآن صفة من صفات الله وصف بها نفسه، لا ننكر ذلك، ولا نرده قلت له: والمشبهة ما [ ص: 627 ] يقولون؟ قال: من قال بصر كبصري ويد كيدي. وقال حنبل في موضع آخر وقدم كقدمي فقد شبه الله تعالى بخلقه، وهذا يحده، وهذا كلام سوء، وهذا محدود، الكلام في هذا لا أحبه. قال عبد الله: (جردوا القرآن )، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "يضع قدمه" نؤمن به، ولا نحده، ولا نرده على رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل نؤمن به، قال الله تعالى: وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا [الحشر: 7 ] فقد أمرنا الله عز وجل بالأخذ بما جاء به والنهي عما نهى، [ ص: 628 ] وأسماؤه وصفاته منه غير مخلوقة، ونعوذ بالله من الزلل والارتياب والشك، إنه على كل شيء قدير ). وقال الخلال (وزادني أبو القاسم الجبلي عن حنبل في هذا الكلام، وقال تبارك وتعالى: الله لا إله إلا هو الحي القيوم [البقرة: 255 ] لا إله إلا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر [الحشر: 23 ] هذه صفات الله عز وجل وأسماؤه تبارك وتعالى ).

التالي السابق


الخدمات العلمية