بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية

ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

صفحة جزء
[ ص: 192 ] الوجه الثاني أن الاستدلال بالقرآن إنما يكون بحمله على لغة العرب التي أنزل بها بل قد نزل بلغة قريش، كما قال تعالى: وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه [إبراهيم 4] .

وقال: بلسان عربي مبين [الشعراء 195] فليس لأحد أن يحمل ألفاظ القرآن على غير ذلك من عرف عام واصطلاح خاص، بل لا يحمله إلا على تلك اللغة، فإذا كان أهل الكلام من قد اصطلح في لفظ الواحد والأحد والجسم وغير ذلك من الألفاظ على معان عنوها بها إما من المعنى اللغوي أو أعم أو مغايرا له لم يكن له أن يضع القرآن على ما وضعه هو بل يضع القرآن على مواضعه التي بينها الله لمن خاطبه القرآن بلغته، ومتى فعل غير ذلك كان ذلك تحريفا للكلم عن مواضعه، ومن المعلوم أنه ما من طائفة إلا وقد تصطلح على ألفاظ يتخاطبون بها كما أن من المتكلمين من يقول: الأحد هو الذي لا ينقسم وكل جسم منقسم، ويقول: الجسم هو مطلق المتحيز القابل للقسمة، حتى يدخل في ذلك الهواء [ ص: 193 ] وغيره، لكن ليس له أن يحمل كلام الله وكلام رسوله إلا على اللغة التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يخاطب بها أمته، وهي لغة العرب عموما ولغة قريش خصوصا.

ومن المعلوم المتواتر في اللغة الشائع بين الخاص والعام أنهم يقولون: درهم واحد ودينار واحد ورجل واحد وامرأة واحدة وشجرة واحدة وقرية واحدة وثوب واحد، وشهرة هذا عند أهل اللغة شهرة سائر ألفاظ العدد، فيقولون: رجل واحد، ورجلان اثنان، وثلاثة رجال، وأربعة رجال. وهذا من أظهر اللغة وأشهرها وأعرفها؛ فكيف يجوز أن يقال إن الوحدة لا يوصف بها شيء من الأجسام، وعامة ما يوصف بالوحدة في لغة العرب إنما هو جسم من الأجسام؟! وتحريف هؤلاء للفظ الواحد كتحريفهم للفظ المثل كما نذكره إن شاء الله .

التالي السابق


الخدمات العلمية