بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية

ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

صفحة جزء
الوجه الثالث أن أهل اللغة قالوا اسم الأحد لم يجئ اسما في الإثبات إلا لله، لكنه مستعمل في النفي والشرط والاستفهام؛ كقوله تعالى في نفس السورة التي ذكرها: [ ص: 194 ] ولم يكن له كفوا أحد [الإخلاص 4] وكقوله تعالى: فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا [الكهف 110] .

وقال: وأنه لما قام عبد الله يدعوه كادوا يكونون عليه لبدا قل إنما أدعو ربي ولا أشرك به أحدا قل إني لا أملك لكم ضرا ولا رشدا قل إني لن يجيرني من الله أحد ولن أجد من دونه ملتحدا [الجن 19-22] .

وقال تعالى: ، قال له صاحبه وهو يحاوره أكفرت بالذي خلقك من تراب ثم من نطفة ثم سواك رجلا لكنا هو الله ربي ولا أشرك بربي أحدا [الكهف 37-38] .

وقال: وما لأحد عنده من نعمة تجزى [الليل 19] .

وقال تعالى: ولا يلتفت منكم أحد وامضوا حيث تؤمرون [الحجر 65] ولا يلتفت منكم أحد إلا امرأتك [هود 81]، وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: لا أحد أغير من الله، وفي السنن من غير وجه أنه قال: لا ألفين أحدكم متكئا على أريكته يأتيه الأمر من أمري مما أمرت به [ ص: 195 ] أو نهيت عنه، فيقول: بيننا وبينكم كتاب الله. وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير في يوم مائة مرة كتبت له مائة حسنة وحط عنه مائة سيئة وكانت له حرزا من الشيطان يومه حتى يمسي، ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به إلا رجل قال مثل ما قال أو زاد عليه، وفي الصحيحين أن [ ص: 196 ] النبي صلى الله عليه وسلم لما فتح مكة خطب الناس، فقال: إن الله حبس عن مكة الفيل وسلط عليها رسوله والمسلمين، وإنها لم تحل لأحد قبلي ولا تحل لأحد بعدي، وإنما أحلت لي ساعة من نهار، وفي رواية: فإن أحد ترخص بقتال رسول الله صلى الله عليه وسلم فقولوا: إنما أحلها الله لرسوله ولم يحلها لك، وفي الصحيحين أيضا عنه أنه قال: أحلت لنا الغنائم ولم تحل لأحد قبلنا، وقال [ ص: 197 ] النابغة:

وقفت فيها أصيلا لا أسائلها عيت جوابا وما بالربع من أحد [ ص: 198 ]     إلا الأواري لأيا ما أبينها
والنؤي كالحوض بالمظلومة الجلد

[ ص: 199 ] فلو كان لفظ الأحد يقع على جسم أصلا لكان التقدير ولم يكن ما ليس بجسم كفوا له، وهذا عنده ليس إلا الجوهر الفرد عند من يقول به فيكون المعنى: لم يكن الجوهر الفرد كفوا له، وأما سائر الموجودات فلم ينف مكافأتها له ولا أشرك بربي ما ليس بجسم، ولن يجيرني من الله ما ليس بجسم. ومعلوم أن عامة ما يعلم من المخلوقات القائمة بأنفسها هي أجسام كأجسام بني آدم وغيرهم، والأرواح تدخل في مسمى ذلك عند عامة المسلمين وإن لم تدخل عند بعضهم، ومن المعلوم أن الله لم ينه عن أن يشرك به ما ليس بجسم فقط، بل نهيه عن أن يشرك به الأجسام أيضا لاسيما وعامة ما أشرك به من الأوثان والشمس والقمر والنجوم إنما هي أجسام.

وفي السنن حديث أبي بكر الصديق لما استأذنه أبو برزة في قتل بعض الناس؛ فقال: إنها لم تكن لأحد بعد [ ص: 200 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: لن يدخل [ ص: 201 ] أحدا منكم عمله الجنة، وفي لفظ: لن ينجو أحد منكم بعمله، وفيهما أنه قال: غزا نبي من الأنبياء، فقال لقومه: لا يتبعني رجل ملك بضع امرأة وهو يريد أن يبني بها، ولا أحد بنى بيوتا ولم يرفع سقوفها، ولا أحد اشترى غنما أو خلفات وهو ينتظر أولادها. وفيهما أنه قال: ما منكم [ ص: 202 ] من أحد إلا سيكلمه ربه ليس بينه وبينه حاجب ولا ترجمان. وفي الصحيح أن الأقرع بن حابس، قال للنبي صلى الله عليه وسلم: إن لي عشرة من الولد ما قبلت منهم أحدا، وفي الصحيح أنه قال: لا يدخل النار أحد بايع تحت الشجرة .

التالي السابق


الخدمات العلمية