بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية

ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

صفحة جزء
وأيضا فلو كان الله عز وجل عنى بقوله: لما خلقت بيدي [ص 75] القدرة لم يكن لآدم عليه السلام على إبليس لعنه الله في ذلك مزية، والله عز وجل أراد أن يرى فضل آدم عليه السلام إذ خلقه بيديه دونه، فلو كان خالقا لإبليس بيده كما خلق [ ص: 344 ] آدم بيده لم يكن لتفضيله على إبليس بذلك وجه، وكان إبليس محتجا على ربه عز وجل أن يقول: وأنا أيضا خلقتني بيدك كما خلقت آدم بها، فلما أراد تفضيله عليه بذلك، قال له توبيخا على استكباره على آدم أن يسجد له : ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي أستكبرت أم كنت من العالين [ص 75] فدل ذلك على أنه ليس معنى الآية القدرة؛ إذ كان الله عز وجل قد خلق الأشياء جميعها [ ص: 345 ] بقدرته وأنه إنما أراد إثبات يدين لم يشارك إبليس لعنه الله آدم عليه السلام في أنه خلق بهما.

قال: وليس يخلو قوله عز وجل : لما خلقت بيدي [ص 75] أن يكون معنى ذلك إثبات يدين نعمتين، أو يكون معنى ذلك إثبات جارحتين أو يكون معنى ذلك إثبات قدرتين، أو يكون معناه معنى ذلك إثبات يدين ليستا نعمتين ولا جارحتين ولا قدرتين ولا يوصفان [ ص: 346 ] إلا كما وصف الله، ولا يجوز أن يكون معنى ذلك نعمتين؛ لأنه لا يجوز أن يقول القائل: عملت بيدي وهو يعني نعمتي ولا يجوز أن يعني عندنا ولا عند خصومنا جارحتين، ولا يجوز عند خصومنا أن يعني قدرتين؛ لأنهم لا يثبتون قدرة واحدة؛ فكيف يثبتون قدرتين؟ وإذا فسدت الأقسام الثلاثة صح القسم الرابع وهو أن معنى قوله عز وجل بيدي إثبات يدين ليستا قدرتين ولا نعمتين ولا جارحتين ولا يوصفان إلا أن يقال إنهما يدان، ليستا كالأيدي خارجا عن سائر الوجوه الثلاثة التي سلفت.

التالي السابق


الخدمات العلمية