بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية

ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

صفحة جزء
[ ص: 355 ] قلت: وهذا القول الذي ذكره الأشعري في الإبانة ونصره ذكره في كتاب المقالات الكبير الذي فيه مقالات الإسلاميين ومقالات الطوائف غير الإسلاميين، وكتاب مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين أنه قول جملة أصحاب الحديث وأهل السنة، فقال بعد أن ذكر مقالات الشيعة ثم الخوارج ثم المعتزلة ثم المجسمة ثم الجهمية ثم الضرارية ثم [ ص: 356 ] البكرية ثم قوم من النساك، ثم قال هذه حكاية قول [ ص: 357 ] جملة ما على أصحاب الحديث وأهل السنة الإقرار بالله وملائكته وكتبه ورسله وما جاء من عند الله وما رواه الثقات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يردون من ذلك شيئا، والله تعالى إله واحد فرد صمد لا إله غيره، لم يتخذ صاحبة ولا ولدا وأن محمدا عبده ورسوله، وأن الجنة حق والنار حق، وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور، وأن الله على عرشه، كما قال: الرحمن على العرش استوى [طه 5] وأن له يدين بلا كيف، كما قال : لما خلقت بيدي [ص 75]، وكما قال : بل يداه مبسوطتان [المائدة 64] وأن له عينين بلا كيف، كما قال : تجري بأعيننا [القمر 14] وأن له وجها كما قال : ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام [الرحمن 27] وأن أسماء الله لا يقال إنها غير الله كما قالت المعتزلة والخوارج وأقروا أن لله علما، كما قال : أنزله بعلمه [النساء 166]، وكما قال : وما تحمل من أنثى ولا تضع إلا بعلمه [فاطر 11] [ ص: 358 ] وأثبتوا السمع والبصر ولم ينفوا ذلك عن الله كما نفته المعتزلة وأثبتوا لله القوة، كما قال : أولم يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة [فصلت 15].

وقالوا إنه لا يكون في الأرض من خير ولا شر إلا ما شاء الله، وأن الأشياء تكون بمشيئة الله، كما قال الله تعالى : وما تشاءون إلا أن يشاء الله [التكوير 29]، وكما قال المسلمون: ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن.

وقالوا إن أحدا لا يستطيع أن يفعل شيئا قبل أن يفعله أو يكون أحد يقدر أن يخرج عن علم الله أو أن يفعل شيئا علم الله أنه لا يفعله، وأقروا أنه لا خالق إلا الله وأن أعمال العباد يخلقها الله وأن العباد لا يقدرون أن يخلقوا شيئا.

وأن الله وفق المؤمنين لطاعته وخذل الكافرين ولطف بالمؤمنين ونظر لهم وأصلحهم وهداهم ولم يلطف بالكافرين ولا أصلحهم ولا هداهم، ولو أصلحهم لكانوا [ ص: 359 ] صالحين ولو هداهم لكانوا مهتدين، وأن الله سبحانه يقدر أن يصلح الكافرين ويلطف بهم حتى يكونوا مؤمنين، ولكنه أراد أن يكونوا كافرين كما علمهم وخذلهم ولم يصلحهم وطبع على قلوبهم، وأن الخير والشر بقضاء الله وقدره ويؤمنون بقضاء الله وقدره خيره وشره حلوه ومره، ويؤمنون أنهم لا يملكون لأنفسهم نفعا ولا ضرا إلا ما شاء الله، كما قال، ويلجئون أمرهم إلى الله ويثبتون الحاجة إلى الله في كل وقت والفقر إلى الله في كل حال.

التالي السابق


الخدمات العلمية