بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية

ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

صفحة جزء
قال: واختلف الناس في حملة العرش ما الذي تحمل.

فقال قائلون: الحملة تحمل الباري وأنه إذا غضب ثقل على كواهلهم، وإذا رضي خف فيتبينون غضبه من رضاه، وأن العرش له أطيط إذا ثقل عليه كأطيط الرحل.

وقال بعضهم: ليس يثقل الباري ولا يخف ولا تحمله الحملة ولكن العرش هو الذي يخف ويثقل ويحمله الحملة.

وقال بعضهم: الحملة ثمانية أملاك، وقال بعضهم: ثمانية أصناف.

قال: وقال قائلون: إنه على العرش، وإنه مباين [ ص: 377 ] منه لا بعزلة وإشغال لمكان غيره، بل بينونة ليس على العزلة، والبينونة من صفات الذات.

قال: واختلفت المعتزلة في المكان، فقال قائلون: إن الله بكل مكان، وقال قائلون: الباري لا في مكان بل هو على ما لم يزل عليه، وقال قائلون: الباري في كل مكان بمعنى أنه حافظ للأماكن وذاته مع ذلك موجودة بكل مكان.

قلت: وهذا الذي ذكره أبو الحسن في كتاب الإبانة هو الذي يذكره من ينقل مذهبه جملة، ويرد بذلك على الطاعنين فيه، كما ذكر ذلك الحافظ أبو بكر البيهقي وأبو القاسم بن عساكر في كتاب تبيين كذب المفتري فيما ينسب إلى [ ص: 378 ] الشيخ أبي الحسن الأشعري.

والذي ذكره الأشعري في كتاب المقالات هو الذي ذكره أبو بكر بن فورك في كتاب مقالات ابن كلاب، فقال: الفصل الأول في ذكر ما حكى شيخنا أبو الحسن في كتاب المقالات من جمل مذاهب أصحاب الحديث وقواعدهم وما أبان في آخره أنه هو يقول بجميع ذلك وأن أبا محمد عبد الله بن سعيد يقول بذلك وبأكثر منه.

وهكذا ذكر القاضي أبو بكر الباقلاني في عامة كتبه مثل التمهيد والإبانة وكتابه الذي سماه كتاب الرد على من نسب إلى الأشعري خلاف قوله بعد فصول ذكرها، قال: وكذلك قولنا في جميع المروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في صفات الله تعالى إذا ثبتت بذلك الرواية من إثبات اليدين اللتين نطق بهما [ ص: 379 ] القرآن والوجه والعينين، قال تعالى: ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام [الرحمن 27] .

وقال تعالى: كل شيء هالك إلا وجهه [القصص 88] .

وقال في قصة إبليس: ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي [ص 75] .

وقال : بل يداه مبسوطتان [المائدة 64] .

وقال : تجري بأعيننا [القمر 14]، قال: وروي في الحديث من رواية ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم لما ذكر الدجال، قال: إنه أعور، وإن ربكم ليس بأعور فأثبت له العينين.

[ ص: 380 ] قال: وهذا حديث غير مختلف في صحته عند العلماء بالحديث وهو في صحيح البخاري، وقال عليه السلام فيما يروى من الأخبار المشهورة: وكلتا يديه يمين، ونقول إن الله تعالى يأتي يوم القيامة في ظلل من الغمام والملائكة كما نطق بذلك القرآن، وأنه ينزل إلى سماء الدنيا فيقول: هل من سائل فيعطى أو مستغفر فيغفر له؟ الحديث، وأنه عز وجل مستو على عرشه، كما قال: الرحمن على العرش استوى [طه 5]، قال: قد بينا دين الأئمة وأهل السنة وأن هذه الصفات تمر كما جاءت بغير تكييف ولا تمثيل ولا تحديد ولا تجنيس ولا تصوير كما روي عن [ ص: 381 ] ابن شهاب وغيره.

التالي السابق


الخدمات العلمية