بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية

ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

صفحة جزء
ولهذا كانت الشيعة المتقدمون خيرا من الخوارج الذين قاتلهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب بأمر النبي صلى الله عليه وسلم وأما كثير من متأخري الرافضة فقد صار شرا من الخوارج بكثير، بل فيهم من هو من أعظم الناس نفاقا بمنزلة المنافقين الذين كانوا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أو فوقهم أو دونهم؛ ولهذا قال [ ص: 522 ] البخاري صاحب الصحيح في كتاب خلق الأفعال: ما أبالي أصليت خلف الجهمي أو الرافضي أو صليت خلف اليهودي والنصراني. ولا يسلم عليهم ولا يعادون ولا يناكحون ولا يشهدون ولا تؤكل ذبائحهم.

قال: وقال عبد الرحمن بن مهدي: هما ملتان فاحذروهم: الجهمية، والرافضة.

إذا عرف ذلك فالجهمية أظهروا مسألة القرآن وأنه مخلوق، وأظهروا أن الله لا يرى في الآخرة ولم يكونوا يظهرون لعامة المؤمنين وعلمائهم إنكار أن الله فوق العرش وأنه لا داخل العالم ولا خارجه، وإنما كان العلماء يعلمون هذا منهم بالاستدلال والتوسم كما يعلم المنافقون في لحن القول، قال [ ص: 523 ] الله تعالى: ولو نشاء لأريناكهم فلعرفتهم بسيماهم ولتعرفنهم في لحن القول [محمد 30] فأقسم سبحانه وتعالى أن المنافقين لتعرفنهم في لحن القول، وهذا كما قال حماد بن زيد الإمام الذي هو من أعظم أئمة الدين: القرآن كلام الله نزل به جبريل ما يحاولون إلا أن ليس في السماء إله.

وقال أيضا سليمان بن حرب، سمعت حماد بن زيد وذكر هؤلاء الجهمية، فقال: إنما يحاولون أن يقولوا ليس في السماء شيء.

وقال عباد بن العوام الواسطي: كلمت بشرا المريسي [ ص: 524 ] وأصحاب بشر، فرأيت آخر كلامهم ينتهي أن يقولوا: ليس في السماء شيء.

وقال عبد الرحمن بن مهدي: ليس في أصحاب الهواء شر من أصحاب جهم يدورون على أن يقولوا ليس في السماء شيء، أرى والله أن لا يناكحوا ولا يوارثوا.

وقال أيضا: أصحاب جهم يريدون أن يقولوا ليس في السماء شيء، وأن الله ليس على العرش، أرى أن يستتابوا فإن تابوا وإلا قتلوا [ ص: 525 ] وقال عاصم بن علي: ناظرت جهميا فتبين من كلامه أن لا يؤمن أن في السماء ربا.

وقال علي بن عاصم: ما الذين قالوا إن لله ولدا أكفر من الذين قالوا إن الله لا يتكلم.

وقال: احذر من المريسي وأصحابه، فإن كلامهم أبو جاد الزندقة، وأنا كلمت أستاذهم جهما فلم يثبت أن في السماء إلها.

هكذا وجدت هذا عنه في كتاب خلق الأفعال للبخاري. والأول رواه ابن أبي حاتم عن عاصم بن علي بن عاصم في كتاب [ ص: 526 ] الرد على الجهمية.

وكان إسماعيل بن أبي أويس يسميهم زنادقة العراق، وقيل له: سمعت أحدا يقول: القرآن مخلوق، فقال: هؤلاء الزنادقة والله، لقد فررت إلى اليمن حين تكلم أبو العباس ببغداد بهذا فرارا من هذا الكلام.

[ ص: 527 ] وقال وكيع بن الجراح: من كذب بحديث إسماعيل عن قيس عن جرير عن النبي صلى الله عليه وسلم يعني قوله: [ ص: 528 ] إنكم سترون ربكم كما ترون الشمس والقمر؛ فهو جهمي، فاحذروه.

التالي السابق


الخدمات العلمية