بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية

ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

صفحة جزء
الوجه العشرون: أنهم قد قرروا في هاتين المسألتين هنا وهناك أن ما لا يمكن أن يشار إليه ويحس به يكون معدوما، وقرر هناك أن كل موجود فإنه يصح أن يرى وأن يلمس فيحس به ويلمس وهو أبلغ من الإشارات الحسية إليه، وأن الله يصح أن يرى وأن يتعلق به إدراك اللمس، فإن كل واحد من الرؤية واللمس مشترك بين الجوهر والأعراض فيتعلق بالله تعالى، وهذا يوجب أن يكون الله يمكن أن يشار إليه ويمكن أن يحس به خلاف ما ذكره هنا كما تقدم، وقرر هنا أن ما كان كذلك فإنه يكون ذا حيز ومقدار وأنه يلزمه أن يكون منقسما مركبا الانقسام والتركيب العقلي الذي ألزم به مخالفه هنا، وهذا [ ص: 576 ] يقتضي أنه من لوازم أصولهم التي هم معترفون فيها بالأصل وبلازم الأصل لم يلزمهم إياه غيرهم بالدليل بل هم اعترفوا به أن يكون الله له حيز ومقدار، وأنه مركب مؤلف له أجزاء وأبعاض، وهذا هو الذي أنكره في هذا الموضع، وليس هذا من جنس ما يلزم الرجل غيره شيئا بالحجة، لكن هذا أقر بأن الله سبحانه وتعالى موصوف بوصف، وأقر في موضع آخر أنه إذا كان موصوفا بذلك الوصف لزم أن يكون كذا وكذا؛ فمجموع الإقرارين أقر فيهما بما ذكرناه .

الوجه الحادي والعشرون: أنه اعترف هنا أنه يكون أشد حقارة من الجوهر الفرد وأن يكون معدوما إذا كان ذا حيز ومقدار، وقلنا إنه لا يمكن أن يشار إليه ولا يمكن أن يحس، وقد ذكر هنا أنه لا يمكن أن يشار إليه ولا يمكن أن يحس به، فلزم أن يكون معدوما أحقر من الجوهر الفرد. ولا ريب أن هذه حقيقة قولهم، وقد اعترف هو بمقدمات ذلك لكن مفرقة لم يجمعها في موضع واحد؛ إذ لو جمعها لم يخف عليه، وهذا شأن المبطل .

التالي السابق


الخدمات العلمية