بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية

ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

صفحة جزء
وروى عبد الرحمن بن أبي حاتم، عن أبي هارون [ ص: 200 ] محمد بن خالد، عن يحيى بن المغيرة، قال: سمعت جرير بن عبد الحميد، يقول: «كلام الجهمية أوله عسل وآخره سم، وإنما يحاولون أن يقولوا: ليس في السماء إله».

وروى «عبد الله بن أحمد بن حنبل» في كتاب «السنة» وروى غيره بأسانيد صحيحة، عن عبد الله بن المبارك، الذي [ ص: 201 ] يقال له: أمير المؤمنين في كل شيء، لجلالته في أنواع الفضائل، أنه قيل له: بماذا نعرف ربنا؟ قال: بأنه فوق سمواته على عرشه، بائن من خلقه، ولا نقول كما تقول الجهمية: إنه هاهنا في الأرض. وهكذا قال الإمام أحمد أيضا.

وروى عبد الله بن أحمد أيضا، عن عبد الله بن المبارك، أن رجلا قال له: «يا أبا عبد الرحمن، قد خفت الله من كثرة ما أدعوه على الجهمية. قال: لا تخف. فإنهم يزعمون أن إلهك الذي في السماء ليس بشيء».

وروى أيضا عن سليمان بن حرب الإمام، قال: سمعت حماد بن زيد، وذكر هؤلاء الجهمية، فقال: «إنما يحاولون أن [ ص: 202 ] يقولوا: ليس في السماء شيء».

وكذا رواه ابن أبي حاتم عن أبيه عن سليمان، ولفظه: «إنما يدورون على أن يقولوا: ليس في السماء إله».

ورواه «الطبراني» في «كتاب السنة» عن العباس بن الفضل [ ص: 203 ] الأسفاطي، عن سليمان بن حرب، سمعت حماد بن زيد، سمعت أيوب السختياني، وذكر المعتزلة، فقال: إنما مدار المعتزلة أن يقولوا ليس في السماء شيء».

وحماد بن زيد وهو الإمام المطلق في زمن مالك والثوري والليث، وكان يقول: إنه أعلم الناس بما يدخل في السنة من الحديث، وهو صاحب «أيوب السختياني» الذي قال فيه [ ص: 204 ] مالك، لما قيل له: حدثت عنه وهو عراقي؟ فقال: ما حدثكم عن أيوب أحد إلا وأيوب أفضل منه.

وأهل العلم والسنة بالبصرة متبعون لأيوب، وابن عون ويونس بن عبيد، ثم لحماد بن زيد وحماد بن سلمة ونحوهم.

ومذهب السنة الذي يحكيه الأشعري في «مقالاته» عن أهل السنة والحديث، أخذ جملته عن «زكريا بن يحيى الساجي» الإمام الفقيه عالم البصرة، في وقته، وهو أخذه عن أصحاب حماد وغيرهم، فيه ألفاظ معروفة من ألفاظ «حماد بن زيد» [ ص: 205 ] كقوله: «يدنو من خلقه كيف يشاء» ثم أخذ الأشعري تمام ذلك عن الإمام أحمد لما قدم بغداد، وإن كان زكريا بن يحيى وطبقته هم أيضا من أصحاب أحمد في ذلك.

وقد ذكر «أبو عبد الله بن بطة» في «إبانته الكبرى» عن «زكريا بن يحيى الساجي» جمل مقالات أهل السنة، وهي تشبه ما ذكره الأشعري في «مقالاته»، وكان الساجي شيخ الأشعري، الذي أخذ عنه الفقه والحديث والسنة، وكذلك ذكر أصحابه.

وروى «عبد الله» ، عن «عباد بن العوام الواسطي» ، قال: [ ص: 206 ] «كلمت « بشر المريسي» ، وأصحاب بشر، فرأيت آخر كلامهم ينتهي إلى أن يقولوا: ليس في السماء شيء».

وقال الإمام «أحمد»: حدثنا «شريح بن النعمان» قال: سمعت «عبد الله بن نافع الصائغ» سمعت «مالك بن أنس» يقول: «الله في السماء، وعلمه في كل مكان لا يخلو من علمه مكان». [ ص: 207 ]

وروى «أبو بكر البيهقي» في كتاب «الأسماء والصفات» بإسناد صحيح عن «الأوزاعي» قال: «كنا والتابعون متوافرون نقول: إن الله تعالى فوق عرشه، ونؤمن بما وردت به السنة من صفاته».

وقال الخلال في كتاب «السنة»: «أخبرني «الميموني» أنه [ ص: 208 ] قال: سألت أبا عبد الله، يعني «أحمد بن حنبل» ما تقول فيمن قال: إن الله ليس فوق العرش؟ قال: كلامهم كله يدل على الكفر.

وقال: أنا «يوسف بن موسى) أن أبا عبد الله «أحمد بن حنبل» قيل له: «... والله تبارك وتعالى فوق السماء السابعة على عرشه بائن من خلقه، وقدرته وعلمه بكل مكان؟ قال: نعم، على عرشه لا يخلو الشيء من علمه». [ ص: 209 ]

وقال الشيخ «أبو بكر النقاش» صاحب «التفسير» و «الرسالة»: حدثنا «أبو العباس السراج» سمعت «قتيبة بن سعيد» يقول: «هذا قول الأئمة في الإسلام والسنة والجماعة: نعرف ربنا في السماء السابعة على عرشه، كما قال: الرحمن على العرش استوى [سورة طه: 5].

التالي السابق


الخدمات العلمية