بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية

ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

صفحة جزء
وقد تكلمنا على هذه الحجة في غير هذا الموضع بما فيه كفاية، ونذكر ما يليق بهذا الموضع، وذلك من وجوه:

أحدها: أن قوله لو كان حصوله في جهة لكان إما أن يكون في أكثر من حيز واحد، أو لا يكون إلا في حيز واحد".

[ ص: 213 ] يقال له: أما الذين يقولون إنه فوق العرش وليس بجسم- وهم أئمة أصحابك والكلابية وطوائف كثيرة من الفقهاء وأهل الحديث والصوفية، وقد ذكر الأشعري أنه قول أهل السنة وأصحاب الحديث فيمنعون التلازم ويقولون: لا نسلم أنه إذا كان في جهة بمعنى أنه نفسه فوق العرش لكان إما أن يكون في حيز واحد أو في أكثر من حيز، فإن هذا التلازم إنما فيما إذا كان الذي فوق العالم جسما، أما إذا وافقتمونا على أنه ليس بجسم فإن التقدير يكون إذا كان فوق العالم ما ليس بجسم أو إذا كان في الجهة ما ليس بجسم، فإنه إما أن يكون في حيز واحد أو أكثر، ومعلوم أن ما ليس بجسم لا يكون في الحيز الاصطلاحي، لا في واحد ولا في أكثر، وهذا ظاهر واضح.

فإن قلت: هذا متناقض فإنه إذا كان فوق العالم أو في الجهة وجب أن يكون جسما. قيل لك: أولا: قد صدرت الكلام في هذه المسألة بأنه لا يلزم من نفي كون الشيء جسما نفي اختصاصه بالحيز، وإذا سلمت لهم لم يكن لك أن تنازعهم فيه، فإن هذا رأس المسألة، فيكون التقدير باتفاق منك ومنهم أن [ ص: 214 ] ما ليس بجسم إذا كان في الجهة بمعنى أنه يكون فوق العالم هل يكون في حيز واحد أو في حيزين - يعني الحيز الاصطلاحي - وهم يقولون: إنه لا يكون في الحيز الاصطلاحي مع كونه فوق العالم، ومع كونه في الجهة وهي جهة العلو.

التالي السابق


الخدمات العلمية